الفقر والفساد.. تحديان كبيران!
لم تنعكس أرقام النمو المعلنة خلال الخطة الخمسية العاشرة والتي بلغ متوسطها نحو 5%، إيجابياً على مستوى المعيشة، وأبلغ دليل على ذلك ارتفاع أرقام الفقر التي انطلقت منها الخطة بنحو 10%، فالحد الأدنى للفقر الذي كان تحت 11% من السكان، أصبح في نهاية الخطة حسب الأرقام الأولية المعلنة 12%، بينما الحد الأعلى الذي كان تحت 30%، أصبح حسب الأرقام غير المعلنة 34% وأكثر.. أي أنه ازداد هو أيضاً بحدود 10% بالقياس مع الرقم الأول في بداية الخطة.
وإن كان هذا الأمر له دلالات، فهو يعني أمرين:
الأول: الفشل الذريع للخطة العاشرة في تنفيذ أهدافها، فقد كان المطلوب الوصول بالحد الأدنى للفقر من 11% إلى 8%، والحد الأعلى من 30% إلى 24%.. لكن الذي تحقق هو العكس.. وليس هناك أي مبرر منطقي لذلك، فلو كانت أرقام النمو العامة سلبية لكان من الممكن القول إن النمو السلبي قد أصاب بنتائجه كل المجتمع السوري بمختلف شرائحه وطبقاته، ولكن أن يكون النمو إيجابياً، وألاّ تصيب نتائجه كل شرائح المجتمع، هو أهون من أن يستثني الشرائح الأكثر فقراً..
الثاني: ماذا يعني نمو إيجابي وازدياد الفقر؟ يعني أمراً واحداً فقط لا غير؛ وهو أن أفواجاً جديدة قد انضمت إلى أفواج الفقراء السابقين حسب طريقة القياس الرسمية المأخوذ بها.. والسؤال: أين ذهب فارق هؤلاء بين مستواهم السابق والحالي؟ لقد ذهب إلى جانب عوائد النمو الجديد إلى الشرائح الأكثر غنى، أي أن الفقراء ازدادوا فقراً، والأغنياء ازدادوا غنى..
والمهم الآن الخروج بالاستنتاجات الضرورية لتصحيح مسار الخطة الخمسية العاشرة التي ترافق تنفيذها بتطبيق السياسات الليبرالية في الاقتصاد.. وكان من المفترض أن تأخذ الخطة الحادية عشرة هذا الأمر بعين الاعتبار.. أي أن تسمي الأمور بمسمياتها، وأن تضع أهدافاً محددةً لمعالجة هذا الأمر الخطير على الاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلاد..
ولكن أن يأتي المشروع الأولي للخطة الحادية عشرة دون إدراج الفقر ومحاربته، أي رفع مستوى معيشة الناس ضمن التحديات الأساسية أمام الاقتصاد السوري، فهذا هو الأمر المدهش والمستغرب..
فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني إما اعتبار هذه القضية أمراً غير قابل للحل لأنه سيجري الاستمرار بالسياسات السابقة نفسها، وسيزداد الأمر سوءاً باضطراد، وهو ما لا يتطلب من أصحاب الأمر أخذ أية التزامات محددة في هذا المجال، كي لا تجري محاسبتهم عليها لاحقاً.. وإما يعني رفع اليد عن الموضوع والاعتراف بعدم إمكانية حله ضمن الظروف الملموسة والأفق المنظور..
والحقيقة أن حل هذا الموضوع يرتبط بموضوع آخر ليس أقل خطورةً منه، وهو موضوع الفساد وحجمه وأضراره التي يسببها للاقتصاد الوطني، وهذا الأمر بدوره غير مدرج بتحديات الخطة الحادية عشرة، كما لم يكن مدرجاً بشكل واضح وصريح في الخطة العاشرة.. وإن كانت الخطتان تلمحان له من خلال مهمة معالجة الضعف المؤسساتي والإصلاح المؤسساتي.. وهذه الإشارة الضعيفة في الخطة السابقة واللاحقة ليست أبداً بحجم مواجهة هذا التحدي الذي يتطلب تعبئة جميع قوى المجتمع ضده لأنه أصبح بحجم كارثة وطنية بكل معنى الكلمة..
والأمر كذلك، فهذا يعني أن الفقر والفساد أمران مرتبطان بعضهما ببعض، فكلما اتسعت دائرة الفساد التي تسمح بالإثراء الفاحش غير المشروع، توسعت دائرة الفقر، والعكس صحيح..
إذاً، لا يمكن مواجهة أحد التحديين دون مواجهة الآخر، وإضعاف أحدهما يعني تضييق دائرة ثانيهما.. كما أن القضاء على أحدهما يعني حتماً ضرورة القضاء على ثانيهما..
إن محاربة الفقر والفساد ورفع مستوى معيشة الناس ليست مهمات مؤجلة، بل هي مهمات مستعجلة، وهي ممكنة التحقيق في الآجال الزمنية المتوسطة إذا ما اتبعت سياسات حازمة وقوية.. وهذه المهمات مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالأمن الوطني للبلاد..
إن عدم إدراج هدف محاربة الفقر ضمن تحديات الخطة الخمسية الحادية عشرة هو خطأ منهجي، ينسف من حيث المبدأ مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ويحوله في الممارسة إلى اقتصاد سوق بحت، منفلت ومتوحش.. إن إعادة النظر في هذا الخلل وتعديله هو ضرورة قصوى للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن.