مشروع الموضوعات البرنامجية.. الرؤية العامة
قدمت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في مشروع الموضوعات البرنامجية رؤيتها لمجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية على المستويات المختلفة، كما قدمت مادة غنية قد تكون بوابةً لصياغة مهام برنامجية تكون خطوة على طريق استعادة الدور الوظيفي للحزب الشيوعي في البلاد. لكن على الرغم مما يوحي به هذا المشروع من سعة وشمول، فقد جاءت بعض فقراته غائمة وشديدة العمومية بحيث تحتاج إلى تحديد أكثر دقة للإشكاليات موضوع النقاش.
في المرجعية الفكرية
اكتفى مشروع الموضوعات البرنامجية بتحديد الماركسية-اللينينية البعيدة عن النصوصية والعدمية مرجعيةً فكريةً لا بد من الاستناد إليها في مهمة استعادة الدور الوظيفي للحزب الشيوعي في حياة البلاد، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أغلب الأحزاب الشيوعية تعلن مراراً تمسكها المطلق بالماركسية-اللينينية مرجعيةً فكريةً، وإذا كان ما يميزها عند اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، هو بعدها عن العدمية والنصوصية، فإن هذا يقتضي التشخيص الدقيق للعدمية والنصوصية، وهو ما لم نجده في مشروع الموضوعات البرنامجية المطروح. وإذا كان صحيحاً ما ورد في المشروع عن ضرورة «اكتشاف وصياغة الثابت والمتغير في النظرية»، فإن لنا أن نسأل، ترى ما هي رؤية اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين حول الثابت والمتغير في النظرية؟ وبالتالي ما هو الحد الفاصل بين التجديد والعدمية، وبين الثبات على المبادئ والنصوصية؟
مشروع الموضوعات البرنامجية..
والمسألة القومية
تبنى مشروع الموضوعات البرنامجية مفهوم شعوب الشرق العظيم، ووصف المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط بأنها «منطقتنا»، ويبدو أن العامل الأساس في صياغة هذا المفهوم هو وحدة الاستهداف، باعتبار أن هذه المنطقة هي مسرح المواجهة الميدانية مع الامبريالية العالمية. على أن هذا المفهوم غير واضح المعالم والأسس، كما أن وحدة الاستهداف لا تكفي لقيام «تحالف» بين المستهدفين، عندما يكون المستهدفون شعوباً لا تمثلها كيانات سياسية تمثيلاً شرعياً يعبر عن مصالح هذه الشعوب، لأن التحالفات التي تبنى على أساس وحدة الاستهداف هي تحالفات بين دول مستكملة لمقومات وجودها، معبرة عن مصالح هذه الشعوب، وهو بالضبط ما تفتقده أغلب شعوب «منطقتنا» من قزوين إلى المتوسط.
إن ما تتعرض له شعوب هذه المنطقة هو حرب مفتوحة في ظل غياب شبه كاملٍ للأنظمة السياسية التي تتبنى مصالح شعوبها، وهنا يكون بيان رؤية اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين لمقومات بناء دولٍ تعبر عن مصالح شعوب هذه المنطقة، أمراً ضرورياً لاستكمال بيان رؤيتها للصراع مع الإمبريالية، وللوضع السياسي الإقليمي. واستطراداً فإن لنا أن نسأل سؤالاً ربما يكون مفتاحاً لنقاشات لاحقة: ترى ما هي رؤية اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين للمسألة القومية العربية؟
في القضية الاقتصادية - الاجتماعية
و«النموذج السابق»
ذكر مشروع الموضوعات البرنامجية انكشاف «العيوب الداخلية للنموذج السابق»، إلا أنه لم يقدم بياناً وافياً لهذه العيوب، ولم يحدد بالضبط موطن الداء فيما أسماه «النموذج السابق»، بينما استفاض في بيان مثالب وعيوب النموذج الراهن. إلا أن تحليل المشكلات التي اعترت النهج الاقتصادي - الاجتماعي السابق في البلاد، مسألة لها أهمية كبرى، لا تقل عن أهمية نقاش النموذج الراهن. وتتأتى هذه الأهمية من حقيقة أن النموذج السابق اعتمد الاشتراكية منهجاًُ، والنموذج الذي تدعو إليه اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بديلاً عن النهج النيوليبرالي، هو نموذج يعتمد الاشتراكية بدوره، ومن هنا يكون البيان المفصل والدقيق لعيوب النموذج السابق، التي أفضت إلى إفلاسه في النهاية، شرطاً ضرورياً لضمان عدم تكرار الأخطاء والوقوع في المطبات نفسها. لا شك أن ما تطرق إليه المشروع من عقم الحراك السياسي في البلاد، وتعاظم مراكز الفساد والنهب فيها، كان من أهم العيوب التي شابت النموذج السابق، والمطلوب اليوم بيان العيوب الأخرى بكل وضوح، وبيان العلاقة التي تربط هذه العيوب كلها، وكيف أفضت إلى تراجع النموذج السابق. والأهم بيان تصورات واضعي مشروع الموضوعات البرنامجية لكيفية تجاوز هذين العاملين الخطيرين، اللذين لا يزالان على رأس قائمة معيقات التنمية والتطور الحقيقي في البلاد.
تتطلب صياغة مهام برنامجية تمهد لاستعادة الدور الوظيفي للشيوعيين السوريين، الوضوح المطلق والدقة العالية في تحليل المشكلات والظواهر، لأن التوصيف الدقيق للمشكلات، والتحليل العميق لأسبابها، ومن ثم الاستشراف المنهجي للحلول المفترضة، هو الطريق الصحيح لترجمة الأقوال أفعالاً على أرض الواقع.