قمح أمريكي في سورية.. يا للإنـجاز!!
ينبغي على السوريين جميعاً أن يحشدوا جموعهم، وينتظموا جماعات جماعات، ويمضوا لتهنئة الفريق الاقتصادي الوطني، أي المحلي السوري، بمناسبة استمراره في تحطيم الأرقام القياسية وتجاوزه الخطوط «العنيدة» التي لم يسبق لأحد أن تجاوزها بمثل هذه السرعة والعزيمة والنية المبيتة.. وأن يركّزوا على إنجازه العظيم الأخير وليس الآخر، ونجاحه الباهر في استيراد عشرة آلاف طن من القمح الأمريكي!!
فعلاً.. «يا هيك الصفقات والإنجازات يا بلا»!!! فبفضل هذا الفريق تنجح سورية أخيراً، بعد سنوات طويلة من القمح الجزراوي والحوراني والغابي في تسلم باخرة مليئة بالقمح الأمريكي الذي لم يذق المواطن السوري طعمه منذ نحو 20 عاماً.
والحقيقة أن هذا الإنجاز لم يأت من فراغ، بل جرى الإعداد له بدقة وصبر وتنظير وتخطيط وتنفيذ تمهيدي لم يخل من مشاغبات وعقبات أخّرت تحقيقه، خلقتها بعض القوى الناشئة وبعض وسائل الإعلام غير المرخصة.. ففي البداية جرى رفع الدعم عن المحروقات لتقديمها بسخاء لمن يستحقها من المستثمرين الجدد الفاعلين جداً في الاقتصاد، وتقتيرها على الفلاحين والمزارعين الكسولين الطماعين، وهو بدوره جعل الكثير من هؤلاء الخمولين يتزحزحون من حقولهم وقراهم، ويسارعون للتواصل مع إخوتهم في مناطق أخرى، فشجعوا السياحة دون قصد وهم ينصبون الخيام على أطراف المدن الكبرى ويأكلون وأولادهم الأكل المنحّف، وانخرطوا في أعمال أكثر جدوى للبلاد كالعمل أجراء لدى آخرين دون مسؤولية تذكر، أو عملوا في هش الذباب وكشّه تنظيفاً للبيئة، وحتى أولادهم أصبحوا أكثر حرية بلا تعليم أو شروط نظافة قبل النوم وعند الاستيقاظ!!. أما من بقي منهم مصرّاً على الحرث والزرع، ولم «يسمع الكلمة» لأنه لا يفهم بـ«الوما» وليس من اللبيبين الذين يفهمون من الإشارة، فترك ليواجه هجوم الجفاف والأوبئة على محصوله، وهذا عقاب قصيري النظر..
كما كانت هناك إجراءات أخرى لا تقل أهمية، ساهمت في الوصول السريع لهذا الإنجاز، منها ترك القوارض تأكل ما تشاء من القمح في الصوامع، لأنها كائنات حية في النهاية وتحتاج مثلنا إلى الغذاء، وعدم تشييد صوامع جديدة تضمن تسلم كميات أكبر من المحاصيل كل موسم لأنه إسراف غير مبرر، وتحويل الاهتمام لصيانة الأرصفة وقلبها كل شهرين، وتزفيت الشوارع ونكتها كل شهر، وبناء دور للبورصة والفنادق... وأخيراً وضع العديد من الشروط القاسية على القروض الزراعية حفظاً للمال العام...
هكذا تتحقق الإنجازات الكبرى.. وهكذا نقول لبعض المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يتفاخرون بأننا لا نأكل من قمحهم: خسئتم.. ها نحن نأكل من قمحكم رغم أنوفكم..!!