أزمة تركيا هي أزمة أمريكا!
هدأت غلواء الوضع التركي مؤقتاً بعد محاولة انقلاب فاشلة استمرت منذ مساء الجمعة 15 تموز، وحتى الساعات الأولى من اليوم التالي. وبالرغم من أنّ معالم المسألة لم تنجل كلياً بعد، إلا أنّ هنالك جملة من الأسباب والاستنتاجات العامة التي من الممكن الخلوص إليها، وهي:
أولاً: إنّ أي محاولة لتفسير ما جرى انطلاقاً من الداخل التركي وحده، أو من خارج تركيا وحده، هي محاولة محكومة بالفشل، لأنّ المسألة مركبة ومتداخلة بطبيعتها. وفي السياق فإنّ المواقف المرتجلة (فرحاً أو حزناً) بالانقلاب أو بفشله، هي بمجملها مواقف قليلة الحكمة وقصيرة النظر.
ثانياً: إنّ الأساس الداخلي لاقتراب تركيا من حافة الانفجار هو أزمة سياساتها الداخلية والخارجية، والتي وصلت إلى أفق مسدود، سواء في طريقة تعاطيها مع الشأن الداخلي، وخصوصاً في المسألة الكردية، أو في الشأن الخارجي، وخصوصاً المسألة السورية.
ثالثاً: وإذا كان مجمل الوضع الداخلي لا يكفي وحده لتفسير ما جرى، فإن الواضح واللافت أيضاً هو أن محاولة الانقلاب هذه جاءت متزامنة مع بداية الاستدارة التركية نحو روسيا، وهو ما يشي باستياء فاشي داخل الإدارة الأمريكية من هذه الاستدارة. وربما تكون المحاولة الفاشلة نقلة أولى ضمن خطة تستهدف قسم الشارع والعسكر التركي وأخذهما نحو اقتتال داخلي، وهو الأمر الذي إن حدث فإنّه سيحمل معه احتمالات شديدة الخطورة على تركيا نفسها وعلى محيطها كله، وعلى العالم بأسره.
رابعاً: إنّ توسيع الزاوية التي تجري رؤية المشهد التركي من خلالها تقود إلى استنتاج أكثر عمومية وأكثر أهمية هو أنّ أزمة تركيا هذه ليست سوى الأزمة الأمريكية معبراً عنها بأزمة حلفائها، وهي لذلك تعبير إضافي عن التراجع المستمر الذي يعيشه معسكر واشنطن، بالتوازي مع التقدم المستمر لدول «بريكس» وفي مقدمتها روسيا والصين.
خامساً: إنّ تركيا التي لعبت سياساتها طوال الفترة الماضية دور المعيق المباشر للحل في سورية، وأياً كانت النتائج التي ستسفر عنها أزمتها الحالية، ستكون أضعف مما كانت عليه قبل هذه المحاولة. فمن جهة، لا أحد في تركيا سيخرج سليماً ولا منتصراً من هذه العملية، ومن جهة أخرى- بالتالي- سينخفض التأثير السلبي التركي على الأزمة السورية، ما يعني أن الاتجاه العام نحو انخفاض دور القوى الإقليمية المعيقة للحل في سورية، هو اتجاه ثابت ويجري تعزيزه بشكل مستمر..
سادساً: موضوعياً فإنّ خروج تركيا من أزمتها يستدعي بالعمق الابتعاد عن الأمريكيين، بما يعني تغيير مجمل السياسات الداخلية والخارجية، أي الانفكاك عن واشنطن، ونزع صواعق التفجير التي زرعتها هناك تاريخياً.
بالمحصلة، وإن كان الحدث التركي قد اكتسح الإعلام مبعداً عن الواجهة الاجتماع الماراثوني بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي في موسكو، إلّا أنّ نتائج هذا الاجتماع والتوافقات الحاصلة سرعان ما ستظهر نفسها عبر تطورات مقبلة على جبهتي محاربة الإرهاب ودفع العملية السياسية السورية قدماً، وإن التطورات التي ستطرأ على الأزمة في تركيا لن تغير من الاتجاه العام لحل الأزمة في سورية، فالأزمتين كلتيهما– إن صحت التسمية- تحصلان في ظل ميزان قوى دولي، سمته الأساسية هي تقدم قوى السلم والحلول السياسية، وانكفاء قوى الحرب والتصعيد وتخبطها.