نحو حزب يدرك دوره الوظيفي الحقيقي
لن يختلف اثنان على أهمية طرح الموضوعات البرنامجية للنقاش العام، وهذا الشكل من الحوار المكتوب والعلني هو أرقى أشكال الحوار كما قال (لينين)، حيث استخدم سلاح النقد لمواجهة خصومه الفكريين والسياسيين، استناداً للنظرية في تفسير الواقع من أجل تغييره، وكانت هذه إحدى الوسائل العامة التي استخدمها للنفاذ إلى أعماق الشعب الروسي، وخاصةً الطبقة العاملة التي كانت محور نضال الحزب التنظيمي والسياسي لجذبها إلى مواقع التنظيم، ولإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية في البداية، والمهام الاشتراكية ومهام الدفاع عن الوطن لاحقاً،
ومن هنا فإن طرح هذه المهام للنقاش العام سيؤدي إلى تفاعل الأفكار، ووجهات النظر التي قد تختلف هنا أو هناك، وهذا طبيعي في مجتمع يتعمق فيه الصراع الطبقي، ويتطور بفعل الضغوط والعدوان الخارجي وبفعل السياسات الليبرالية في الداخل، حيث يلتقي البرنامجان في تثبيت مصالحهما المعادية للشعب السوري وشعوب المنطقة. وما يساعد البرنامجين على التحقق هو وجود مجموعة من العوامل، أهمها غياب الحياة السياسية الفاعلة في تعبئة الجماهير للدفاع عن مصالحها، وتشظي القوى الوطنية ومنها الشيوعيون في فصائل مما يجعلها غير قادرة على الفعل السياسي والكفاحي دفاعاً عن مصالح الجماهير، التي لم تعد ترى بهذه القوى أنها تعبر عن مصالحها الجذرية لاختبارها في محطات هامة كان من المفترض بهذه القوى أن تكون حاضرة في الشارع، ولكنها للأسف لم تكن موجودة مما دفع قوى السوق والقوى الأصولية الدينية للنفاذ إلى الشارع والتأثير عليه بشكل أو بآخر.
جاء في البند الأول: حول المرجعية الفكرية
«إن الانقطاع عن الواقع هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم قدرة الماركسيين على تجديد النظرية، كما إن عدم الاعتراف بمبادئها الرئيسية الثانية، والابتعاد عنها يؤدي بدوره إلى خلل في تفسير الواقع».
وأيضاً جاء «لقد كانت الماركسية اللينينية دائماً نظرية للتغيير الثوري للمجتمع وهي لا بد أن تستند إلى تفسير صحيح له لإنجاز مهمتها....»
إن ما جاء في المقولتين السابقتين يؤكد صحتهما الواقع المعاش، فالحركة الشيوعية السورية عاشت مخاضاً ومازالت تعيشه بسبب الاعتراف اللفظي فقط بالمبادئ الماركسية وما طرحه ماركس وإنجلز ولينين، متجاوزين فعلياً رؤية الواقع وتفسيره تفسيراً علمياً من أجل إيجاد الآليات التنظيمية والجماهيرية اللازمة لتغييره، حيث انعكس الافتراق بين النظرية وتطبيقاتها بما يتناسب مع الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إلى عزلة حقيقية أثرت على واقع الحزب سياسياً وتنظيمياً وجماهيرياً.
لقد جرى تبني مجموعة من الأفكار والطروحات التي أثبت الواقع عدم صحتها، كما لم تجر مراجعة موضوعية للخط السياسي والتنظيمي، وجرى الإصرار على استمرار التمسك بصحة الخط السياسي الذي يحقق الانتصار تلو الانتصار بالوقت الذي كان الحزب يتراجع جماهيرياً وسياسياً وتنظيمياً.. مما أدى إلى انقسامات جادة أفقدت الحزب دوره الحقيقي المفترض أن يلعبه في الحياة السياسية، وتحول إلى فصائل، وأصبح الصراع الداخلي هو الغالب في عمل كوادره وهيئاته الحزبية حيث ساد الإبعاد والتخوين والاتهامات المختلفة.
إن ما جرى في الحزب من تشظٍّ وانقسامات سياسية وفكرية وتنظيمية شيء مؤلم وخسارة كبرى للشعب السوري وفقرائه، حيث ساد الجمود العقائدي النصوص وفي الجانب الآخر ساد التشكيك بإمكانية النظرية الماركسية اللينينية وصلاحيتها وقدرتها على التطور.
إن كلتا وجهتي النظر قد أفقدت الحزب (الفصائل) القدرة على تطوير النظرية وصياغة رؤية وخطاب تتطلبه ظروف النضال الجديدة ما بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، وسيادة النفوذ الامبريالي الأمريكي والصهيوني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، حيث يتطلب مواجهة هذا التطور الجديد الطارئ وجود حزب من طراز جديد يتجاوز ما هو قائم من فصائل لا يمكن أن تقوم بالمهام النضالية المطلوبة منها وهي على واقعها هذا، حزب يقوم بدوره الوظيفي بالرؤية والخطاب والممارسة الصحيحة التي تعبئ الجماهير وتكون في مقدمتها وفي قيادتها لمواجهة تلك المستجدات، وهذا ممكن في حال تجاوزنا الخطوط الحمراء التي نصنعها أحياناً لأنفسنا أو التي يصنعها لنا الآخرون، حتى في ظل الظروف الصعبة والقوانين السائدة المكبلة للحريات وللحركة السياسية، وفي مقدمتها الشيوعيون.
إن الشعب السوري والطبقة العاملة سيقدران لنا عملنا إذا ما استطعنا إيجاد ذلك الحزب المقاتل دفاعاً عن لقمته وحريته، ومن أجل الدفاع عن الوطن وتحرير الجولان.