الافتتاحية: حاصر حصارك..
غزة المحاصرة تنتصر.. إسرائيل المحاصِرة تنهزم.. وإذا كانت الأعمال بالنتائج، فالغارة الإسرائيلية على أسطول الحرية كانت نتيجتها هزيمة للمعتدين على كل الأصعدة:
ـ موجة استنكار وتنديد عالمية، والأهم من الجانب الرسمي هو الجانب الشعبي لها..
ـ عطب غير قابل للإصلاح أصاب العلاقات التركية- الإسرائيلية بما يترتب عليه من نتائج في إعادة رسم خارطة القوى السياسية في المنطقة وتموضعها..
ـ محاصرة المعتدلين العرب في عقر ديارهم، واضطرارهم إلى خطوات تراجعية أمام ضغط جماهيرهم من إعادة فتح معبر رفح إلى قرار البرلمان الكويتي بالانسحاب من المبادرة العربية.
ـ تأكيد جديد على أن خيار المقاومة الشاملة هو الخيار الوحيد، لأنه أثبت ومن جديد أنه الأجدى والأنجع والأقل تكلفة.
ـ رمزية قافلة الحرية من خلال تنوع المشاركين، أثبتت أن المعركة ضد الإمبريالية وممثلتها إسرائيل الصهيونية في المنطقة هي معركة وطنية وقومية وأممية.. وأن هذا التيار الصاعد لا راد له، وسيجرف القوى المعادية له.
ـ والأهم أن حصار غزة بدأ يتفكك على أرض الواقع، وما أرادت إسرائيل الصهيونية تحقيقه من خلال غارتها الليلية على أسطول الحرية، تحقق عكسه تماماً.. وهذه ليست المرة الأولى.. فمنذ عام 2000 وحتى اليوم، هذا هو واقع الحال، يريدون شيئاً.. يذهبون نحوه مجردين كل قواهم والعسكرية منها أولاً.. فيتحقق عكسه تماماً..
ماذا يعني ذلك؟ وما دلالات هذا الأمر؟
للإجابة على هذا السؤال يجب الإجابة على سؤال آخر: هل المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية بهذا الغباء، أم أنها معدومة الإمكانية بتقدير الأمور ونتائجها، أم أن ما تفعله هو أمر محسوب ومدروس، ومعروف النتائج مسبقاً؟
في هذه الحالة تحديداً، حالة القرصنة على أسطول الحرية، أي امرئ ليس بحاجة إلى كثير من الذكاء والمعرفة كي يتوقع أن ردود الفعل عليها ستكون موجة غضب شعبية عارمة، عالمياً، وإقليمياً، وعربياً، وأن العلاقات التركية- الإسرائيلية ستتضرر بلا رجعة، وأن الحكام العرب المعتدلين سيُحرجون وسيضطرون إلى سحب مبادرتهم في نهاية المطاف، وأن خيار المقاومة الشاملة سيترسخ، وأن التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني سيزداد صعوداً..
إذا كانوا يعرفون كل ذلك، فلماذا فعلوها؟!
لأنهم يدركون ببساطة أن مشروعهم العدواني- الاستعماري- الاستيطاني في حالة تراجع، سنة بعد سنة، شهراً بعد شهر، ويوماً بعد يوم.. وهو قد دخل مرحلة حرجة إذا لم يتجاوزها فسيصبح احتمال استمراره بحكم المستحيل..
ماذا يعني فك الحصار عن غزة؟ إنه يعني انتصار خيار المقاومة.. وانتصار هذا الخيار لا يعني تحوله إلى نموذج يحتذى من أقاصي الأرض إلى أقاصيها فقط.. وإنما يعني أيضاً تحول المقاومة إلى قوة لا يمكن هزيمتها، أي انتقالها إلى مواقع الهجوم ليس في غزة فقط، وإنما على طول الجبهة وعرضها من قزوين إلى المتوسط.. من أفغانستان إلى فلسطين ولبنان مروراً بالعراق..
لذلك ممنوع «صهيونياً» فك حصار غزة، لأن فك هذا الحصار لا يعني هزيمة لإسرائيل على الأرض واقعياً ومادياً فقط، وإنما يعني أيضاً هزيمة كل المشروع الإمبريالي- الأمريكي- الصهيوني في كل المنطقة.
وهم مقابل هذا المنع يتحملون كل الخسائر التي يعتبرونها جزئيةً وقابلة للاسترجاع.
إن القرصنة الأخيرة تؤكد صحة ما جاء في مشروع موضوعات اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، حيث قال: «وما دام النظام الرأسمالي العالمي وليس فقط الإمبريالية الأمريكية، في أفول، فمن الطبيعي والمنطقي أن إسرائيل نفسها قد دخلت مرحلة الأفول، ولا أبرز دليلاً على ذلك إلاّ أداؤها في العقد الأخير باتجاه تحقيق دورها الوظيفي الذي حققته بنجاح خلال النصف الثاني من القرن العشرين.. والذي ازداد تعثراً في بداية القرن الحادي والعشرين متصاعداً حتى اليوم»..
وما دام العدو في حالة تراجع فما على قوى المقاومة إلاّ تصعيد مقاومتها وضرباتها، وعدم السماح له باستعادة أنفاسه، وهو في هذا الطور سيجرد كل إمكانياته ووسائله القاسية واللينة، الغبية والذكية، الرقيقة والخبيثة، للحفاظ على نفسه.
إن المقاومة الشعبية العالمية حاصرت الحصار الإسرائيلي المدعوم دولياً وعربياً، علناً وسراً، وها هي تنجز خطوة جديدة على طريق هزيمته، مثبتةً أنها الضمانة الوحيدة للوصول إلى كرامة الوطن والمواطن في كل مكان..