كيف أصبحت شيوعياً؟

استقبلنا مع أفراد أسرته ودارت بيننا أطراف الأحاديث، وبدورنا توجهنا إليه معبرين عن اعتزازنا برفاقنا القدامى... أولئك البواسل الذين شقوا أمامنا درب النضال بعذاباتهم وتضحياتهم فكانوا ومازالوا على الرغم من رحيل أكثرهم، المشاعل المضيئة التي تنير لنا الدرب وتشيع في نفوسنا وعقولنا الثقة الأكيدة والعزيمة القوية للمساهمة في بناء غد أفضل وأجمل.

رفيقنا المحترم أبو أنطون حدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟

أنا من مواليد منطقة رباح عام 1931.. انتسبت إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري في بداية خمسينيات القرن الماضي، والدافع إلى ذلك تأثري بالفكر الشيوعي من خلال لقاءات عديدة مع بعض الرفاق وبخاصة الرفيق مطانيوس يعقوب سكرتير فرعية رباح. وفي ذلك الحين كان عدد من الرفاق من حمص يأتون إلى رباح بمهمات حزبية، أذكر منهم المحامي نوري حجو وموريس صليبي وبشير سبيني وفؤاد عبد المولى.. وكانت منظمة رباح تضم الكثير من الرفاق. كلفت بالعديد من المهمات، ومنها توزيع المنشورات والنشرات الصادرة عن الحزب، فقد كنت أذهب سيراً على الأقدام إلى المشيرفة لاستلام المطبوعات المرسلة إلينا من لبنان ليتم توزيعها على الرفاق في حمص وريفها.. وفي عام 1957 ساهمت مع الرفاق بتأسيس منظمة الحزب في طريز وعرقايا..

وخلال الحملة البوليسية المسعورة على حزبنا الشيوعي عام 1959، جرى اعتقال أكثر من ثمانين رفيقاً من منطقتنا كنت واحداً في عدادهم، وغني عن البيان وصف تلك الحملة الشرسة وبشاعة ما جرى من ظلم وقهر وتعذيب... وفي مقابل ذلك ما سطره الرفاق من مواقف صلبة مشرفة.

وبعد خروجي من السجن ذهبت إلى لبنان لفترة محدودة، وعند عودتي رددت لمنظمة الحزب في لبنان ما قدمته لي من مساعدة مالية.

وفي عام 1962 كلفت بمهام سكرتير فرعية رباح، وبقيت في التنظيم إلى أن بدأ مسلسل الانقسام في الحزب، وعندها قررت مع كثير من الرفاق ترك التنظيم، لكنني بقيت شيوعياً في قناعتي وسلوكي وعملي اليومي مع الآخرين، وكنت أقول للرفاق الذين يأتون إلى بيتي يعرضون علي الانضمام إلى هذا الفصيل أو ذاك: إنني شيوعي، وسأبقى كذلك، ولكنني لن أعود للتنظيم إلى أن تجتمعوا معاً، وعندها ستجدونني معكم وأمامكم!.

إن ما جرى من الأحداث المؤلمة وأهمها انهيار الاتحاد السوفيتي حزت في قلوبنا، لكنها لم تفقدنا الثقة والأمل، لأن المستقبل للأفكار والمبادئ التي تحترم الوطن والمواطن ولا تتاجر بهما. ولئن كبت الشيوعية يوماً فإنها ستعود أقوى مما كانت، وإن تباعد الرفاق بسبب أو بآخر فإنني على ثقة أكيدة أنهم سيجتمعون في حزب واحد لأن في داخل كل رفيق منا بوصلة غريزية توجهنا جميعنا نحو التلاقي ومتابعة طريق النضال الذي كلف كل رفيق الكثير من التعب والدم والتضحيات.