الافتتاحية: فرصة لأخذ زمام المبادرة
سماء المنطقة ملبدة بالغيوم، فالأحداث تتوالى بسرعة كبيرة بعد الاعتداء على قافلة الحرية الأولى، وهي تحمل مؤشرات هامة وخطيرة:
ـ عبرت 12 سفينة وبارجة أمريكية وإسرائيلية السويس نحو البحر الأحمر باتجاه الخليج، مع تأمينات مصرية أمنية كبيرة على جانبي قناة السويس.
ـ تتوالى التهديدات الإسرائيلية ضد سفن المساعدات المحتملة باعتبارها عملاً إرهابياً، بينما تستعد سفينتا مريم وناجي العلي للانطلاق في 15 تموز المقبل من طرابلس إلى غزة، وعلى متنهما مساعدات إنسانية ومتطوعون من جنسيات مختلفة.
ـ يتصاعد تطبيق العقوبات على إيران متجاوزاً حدود «صفقة» مجلس الأمن ما دفع بعض المسؤولين الروس لإبداء خيبة أملهم.
ـ تستلم إسرائيل شحنات إضافية من أسلحة مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية، وأهمها قنابل الأعماق «الذكية».
ـ إسرائيل تعلم واشنطن باستكمال استعداداتها لحرب ضد لبنان.
ـ يزداد التوتر الأمني في تركيا ضد المراكز والمنشآت العسكرية، بما في ذلك إحباط محاولة اغتيال أردوغان.
ـ يزداد الفشل العسكري الأمريكي- الأطلسي في أفغانستان، وكانت قمة التخبط استبدال قائد القوات الأمريكية- الأطلسية في أفغانستان ستانلي ماكريستال مؤخراً.
وإذا أخذنا كل ذلك ضمن إحداثيات الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية التي لا تفتر، بل تزداد تعقيداً، نستطيع الاستنتاج بأن الأمور تُدفع بشكل منظم ومدروس ومخطط مسبقاً لمواجهة في مكان ما.. فالكل يده على الزناد.. ويكفي أن تشعل لهيب الصدام في المنطقة أية شرارة مفتعلة في أي مكان، و كما علمونا، فهم لا يعدمون الذرائع والحجج، فقد فجّروا مؤخراً القطعة البحرية الكورية الجنوبية بلغم أمريكي، وقبلها فجروا باخرةً أمريكية في خليج «تونكين» لقصف فيتنام الشمالية، مثلما فجروا بارجتهم الأمريكية عام 1898 في ميناء هافانا لإيجاد ذريعة حرب ضد إسبانيا..
والأمر هكذا.. فالسماء تزداد تلبداً كل يوم، فكيف يمكن فهم ما يجري لإيجاد أفضل السبل لمواجهته؟!
إن العدو الأمريكي- الصهيوني في أزمة متعددة الإحداثيات؛
اقتصادية أولاًَ، وهي عميقة جداً ومُحددة للإحداثيات الأخرى.
سياسية ثانياً، على المستوى العالمي وفي داخله الجغرافي، فعزلة كل منهما الدولية والشعبية، لم يسبق لها مثيل في التاريخ، ويعاني مجتمعاهما من الهزات الارتدادية للمأزق الاقتصادي- السياسي..
اجتماعية ثالثاً، لأن عمق الأزمة الاقتصادية، واستنفاد النظام السياسي لإمكانياته في الربط والضبط الداخلي، يهددان بتفجير جميع الفوالق الاجتماعية الداخلية.
وعسكرية رابعاً، لأن سعة الانتشار العسكري وحجم القوة العسكرية ونفقاتها وصل إلى حده الأقصى دون أن يستطيع حل أي من المشكلات المنتصبة أمامه.
وهذه الأزمة بالذات، وتداعياتها الخطيرة المحتملة تخرج الأمريكيين والإسرائيليين عن طورهم، وتدفعهم للمغامرة أكثر فأكثر أمام احتمال الانهيار القادم من كل بد.. لأن الحياة تثبت يوماً بعد يوم أن لا حل اقتصادياً للأزمة الاقتصادية، لذلك فهم أمام مفترق طريق: إما الرضوخ للأمر الواقع والاستكانة له والقبول بالهزيمة المطلقة للنظام الاقتصادي- الاجتماعي الذي كان يتفاخر لحين أنه قد أوصل التاريخ إلى نهايته، وإما تأجيل الانهيار عبر مغامرات عسكرية لا نهاية لها.
لذلك يصبح إفشال المغامرات العسكرية مهمة إنسانية وأخلاقية كبرى، وستدين البشرية لمن يفعل ذلك بالكثير على مر التاريخ القادم.
ولإفشال المغامرات العسكرية التي يلوحون بها ويسعون إليها لابد من سحب زمام المبادرة من أيديهم، وسحب زمام المبادرة يتم بطريقة واحدة، ألا وهي نقلها من أيديهم إلى أيدي المستهدفين بمغامراتهم وحماقاتهم..
وهذه القاعدة هي قاعدة بسيطة في الرياضات القتالية الدفاعية.. عنوانها الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، والمقصود بالهجوم هنا، هو الهجوم على كل الجبهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى العسكرية.. والمقصود بالهجوم ليس على جبهة واحدة جغرافياً، وإنما على كل الجبهات، أو على الأقل في الجبهات الأساسية.
وما دامت القضية هكذا.. وقد فرض علينا القتل والقتال، فلابد من تهيئة أحسن الظروف للتعبئة الداخلية معنوياً وإعلامياً وسياسياً، ما يفترض أداءً اقتصادياً يلفظ إلى غير رجعة السياسات الاقتصادية الليبرالية التي لم تنتج إلا مزيداً من الفقر والبطالة والفساد.. إن اقتراب لهيب المواجهة يجب أن يطهّر جهاز الدولة والمجتمع من كل المعيقات أمام الانتصار.. وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..