أزمة دبي والخطة العاشرة

احتداد أزمة الأسواق المالية العربية وخاصةً الخليجية والسعودية، لها دلالاتها الكبيرة والخطيرة، فهي تثبت:


ـ أن الأزمة الرأسمالية العالمية مستمرة، وتتجه نحو التعقيد أكثر فأكثر، وكل الكلام حول نهايتها هو تضليل وذر للرماد في العيون، لتخفيف موجة استياء وغضب الرأي العام الذي يتبلور أكثر وأكثر ضد الرأسمالية كنظام.

ـ إن المراكز الكبرى في نيويورك وطوكيو ولندن، مضطرة في لحظة معينة لإطالة عمرها وتخفيف حدة الأزمة لديها، أن تأكل المراكز الأصغر، تاركةً إياها عظماً بلا لحم إذا ما اضطرها الوضع إلى ذلك.

ـ إن التعويل على التمويل الخارجي لتأمين النمو الداخلي هو وهم، وباطل الأباطيل وقبض للريح..

فالليبراليون الجدد في الاقتصاد، كانوا يعولون على حركة الرساميل في الفضاء الاقتصادي العالمي لتدوير الفوائض المالية الناتجة عن الإفراط في طباعة الدولار، على أمل تنشيط هذا الاقتصاد أو ذاك، في هذا البلد أو ذاك.. وقد حاول بعض مسؤولينا الاقتصاديين الترويج لهذه الأسطورة في بداية الخطة الخمسية العاشرة التي بني قسم من مواردها بالأصل استناداً إلى هذا المنطق.. وقد تبين لاحقاً أن هذه الأموال- الموارد، وإن أتت، فإن طبيعتها البنيوية كونها تعتمد على منطق الربح الريعي، لا تسمح لها بتحفيز الإنتاج والنمو الحقيقيين، وإنما تفعل العكس.. وهذا ما أكدته تجربتنا، فأموال الخليج التي تدفقت إلى قطاع العقارات والأراضي والسياحة، إن رفعت أرقام الناتج المحلي في بادئ الأمر، إلا أنها أنتجت وزمةً تضخميةً تسببت في موجات ارتفاع متلاحقة بالأسعار، لا تدري الحكومة اليوم كيف ستعوضها في الأجور وفاءً لوعودها بزيادة الأجور 100% حتى نهاية الخطة..

لذلك فأحد الاستنتاجات الرئيسية بعد اندلاع هذه الأزمة وتطورها المستمر، هو ضرورة الاعتماد على الموارد الداخلية بالدرجة الأولى لتأمين النمو المطلوب الذي يضمن الاستقرار الاجتماعي، ويكون بمقدوره محاصرة الفقر والبطالة وإجبارهما على الانحسار وصولاً إلى القضاء عليهما..

نعم، إن القضاء على الفقر والبطالة هو مهمة آنية ملحّة، ويجب أن تكون على رأس جدول أعمال الخطة الخمسية الحادية عشرة..

ولا يمكن اليوم لأحد أن يتبجح بأن الخطة الخمسية العاشرة استطاعت أن تحقق أي إنجاز في هذين المجالين، بل الذي حدث هو العكس، فالمؤشرات الحقيقية النهائية سلبية، فهل السبب مجرد ظرف موضوعي خارج عن إرادتنا، أم أن المشكلة هي في منطق بناء وتنفيذ الخطة الخمسية العاشرة؟ إن الجواب على هذه الأسئلة يرتدي أهميةً حاسمةً على الطريقة التي ستبنى عليها الخطة الخمسية الحادية عشرة، فهي إن بنيت على المنطق السابق الذي أثبت عجزه وفشله، فهي لن تكرر الفشل والعجز السابقين فقط، بل ستضاعفهما.. أما إن هي إن تجاوزت المنطق السابق واستفادت من الدروس الماضية فسيصبح من الممكن وضع أهداف واقعية في مواجهة التحديات التي تنتصب أمام البلاد في المجال الاقتصادي- الاجتماعي.

إن التحليل المعمق يقودنا اليوم إلى القول إن الفشل الذي أصاب الخطة الخمسية العاشرة في مجال تحقيق أهداف محاربة الفقر والبطالة يعود إلى الأسباب التالية:

1 – عدم اعتماد رقم نمو عالٍ مبرر علمياً وواقعياً يهدف إلى محاصرة الفقر والبطالة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.

2 – الاعتماد على مصادر افتراضية وخارجية بالدرجة الأولى، لتأمين النمو المخطط الذي لم يتحقق..

3 – عدم وجود سياسة واضحة وصحيحة لتوجيه الاستثمارات باتجاه القطاعات الأكثر فاعليةً لتأمين النمو الحقيقي المطلوب..

4 – محاباة أصحاب الدخل اللامحدود، والتجرؤ المبالغ به على أصحاب الدخل المحدود في مجال تأمين مصادر لخزينة الدولة.. وتجربة دعم المحروقات أكبر دليل على ذلك، ففي حين يجري تمركز هائل للثروة في بعض مجالات النشاط الرأسمالي الخاص، ولاسيما في قطاع الاتصالات والمصارف والعقارات، يجري اتباع سياسة ضريبية لينة تجاهه.. بينما يجري العكس في كل المجالات الأخرى..

5 – عدم وجود سياسة واضحة وخطة علنية متدرجة لمحاربة الفساد وخاصةً الكبير منه، الذي ما يزال يقتطع أجزاءً هامة من الثروة الوطنية، ويحولها إلى فاقد اقتصادي يحرم منه الاقتصاد الوطني والمجتمع..

إن أحداث العام الماضي الذي يوشك أن ينتهي، تثبت بما لا يقبل الشك أن الأزمة العالمية إلى اشتداد، وأن أفضل ضمانة لدرء مخاطرها هي الاعتماد على الذات وعلى الموارد المحلية.. الأمر الذي يضع على جدول الأعمال بشكل ملح تغيير منطق السياسات الاقتصادية بشكل جذري باتجاه أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية.. وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..

آخر تعديل على الثلاثاء, 12 تموز/يوليو 2016 15:05