الافتتاحية: «القمة 22».. فاقد الشيء لا يعطيه!

من حق الشعوب العربية ألاّ تراهن على النظام الرسمي العربي المهزوم بالتقادم، والعاجز بالتراكم عن مواجهة العدو الخارجي منذ سايكس بيكو وحتى الآن، لا بل كان في حالة تعارض دائمة مع شعوبنا لأنها كانت ترفض الهزيمة وتنزع نحو المقاومة والمواجهة، وليست مصادفة أن كل أسماء القادة المقاومين الذين خلدتهم ذاكرة الشعوب (يوسف العظمة، عمر المختار، عبد الكريم الخطابي، سلطان الأطرش، محمد سعيد الحبوبي، حسن نصر الله) لم يكونوا حكاماً أو سلاطين، بل خرجوا من صفوف الشعب والتزموا خيار المقاومة، وعرفوا الطاقات الجبارة لمن يمثلون في مواجهة العدو الأجنبي!.

تنعقد «القمة العربية» في ليبيا تحت الرقم «22» ولن تكون أفضل من سابقاتها التي انشغلت بالمصالحات العربية- العربية بغض النظر عن عدد الموضوعات المعلنة في جدول أعمالها والتي تجري معالجتها ببيانات الاستنكار والإدانة اللفظية، وبالإرجاء والترحيل أو بتشكيل اللجان للمتابعة برئاسة الأمين العام للجامعة العربية وبالتالي إلى التراجع التدريجي عن القضايا الوطنية للشعوب العربية وأكبرها قضية فلسطين بدليل تراجع هذه القضية على المستوى الرسمي العربي بعد كل مؤتمر قمة عربي ينعقد على إيقاع المطالب الأمريكية التي تتضمن قبل كل شيء «حماية أمن الكيان الصهيوني»، واتهام كل من يعترض على ذلك بدعم الإرهاب والمغامرة والتطرف السياسي.

.. بعد أن تبرعت لجنة المبادرة العربية (عدا سورية) وتجاوبت مع المطلب الأمريكي عشية القمة بإعطاء مهلة أربعة أشهر لاستمرار المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية رغم كل إجراءات التهويد في القدس، جاء خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في مؤتمر «إيباك» بمثابة «ترسيم حدود» مؤتمر القمة بشأن الموقف من التسوية في المنطقة!

ففي خطابها غير المسبوق من حيث حجم ووضوح التزام الولايات المتحدة بأمن الكيان الصهيوني والمحافظة على التفوق العسكري الإسرائيلي على كل دول المنطقة، ربطت الوزيرة كلينتون علناً بين التسوية في فلسطين و«مواجهة المشروع النووي الإيراني» من كل دول المنطقة!

وعندما تحدثت عن «حل الدولتين» الذي يرحب به قادة دول الاعتلال العربي وسلطة رام الله، جاهرت كلينتون «بأنه الحل الوحيد الذي يحافظ على إسرائيل كدولة ديمقراطية- يهودية خالصة مع حدود آمنة ومعترف بها، ويستجيب لقيام دولة فلسطينية تستند إلى حدود 1967 مع تعديلات وتبادل أراض متفق عليها» دون أي ذكر للحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني، وكذلك دون أية التفاتة إلى «المبادرة العربية للسلام».

إن كل ذلك شجع رئيس وزراء العدو الصهيوني للتصريح في واشنطن وإسماع الذين يتحضرون لقمة ليبيا «أن القدس ليست مستوطنة، بل هي عاصمة كل اليهود في العالم وسيستمر الاستيطان فيها مثلها مثل تل أبيب»!

من الواضح هنا أنه يتم بين واشنطن وتل أبيب عملية «استلام وتسليم» وإطلاق يد الكيان الصهيوني بكل شؤون المنطقة أمام هزالة موقف النظام الرسمي العربي وقممه المتتالية. ولعل تصاعد النبرة الإسرائيلية بوجه الإدارة الأمريكية يعود إلى تعثر المشروع الأمريكي من شرق المتوسط حتى أفغانستان، وقد أشارت إلى ذلك كلينتون عند قولها: «إن التحديات أمامنا كبيرة وتغدو أشد إذا نما الرافضون للتسوية وزادت قوتهم، وعندما نعزز أمن إسرائيل إنما نعزز أمن الولايات الأمريكية..»!

إن تأكيد واشنطن وتل أبيب على تعزيز أمن الكيان الصهيوني لا يعكس خوفاً أو حساباً للنظام الرسمي العربي- قبل أو بعد القمة- بل يعكس حقيقة قلق التحالف الإمبريالي- الصهيوني من خيار المقاومة و«التغيرات الديمغرافية وتكنولوجيا الصواريخ التي تضع الكيان الإسرائيلي أمام تغيير الوضع القائم على الأرض». أي إن التحالف الإمبريالي- الصهيوني بدأ يستشرف أن التاريخ سيكتب للمقاومة في لبنان وفلسطين، وخلفهما سورية وإيران، رسمياً وشعبياً، والشارع العربي، وكل شعوب هذا الشرق العظيم، أنهم سجلوا لحظة بدء انهيار المشروع الإمبراطوري الأمريكي وبدء زوال الكيان الصهيوني.

المسألة تكمن في امتلاك الإرادة السياسية للمواجهة، والانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم.

في رده على أسئلة تلفزيون «المنار» أكد الرئيس بشار الأسد قائلاً: «لسنا مغامرين، لكن علينا أن نفرق بين المغامرة والمقامرة.. نحن لن نقبل أن نكون جزءاً من مشروع خارجي وكان لابد من دفع الثمن»، وأكد من جديد أن «ثمن المقاومة أقل من ثمن الفوضى..»!

إذا كان خيار النظام الرسمي العربي الالتزام بالتبعية والبطش بالشعوب، فإن قدر شعب سورية وشعوب المنطقة الالتزام بخيار المقاومة الشاملة حتى النصر الأكيد!