السعار الأمريكي والأطلسي
إن ما صدر عن الإدارة الأمريكية، وعن الاتحاد الأوربي، وعن مجموعة الثماني ضد سورية يوضح أن ما جرى ليس نظيفاً، وليس صحياً. ليس نظيفاً لأن المحركين والممولين في الخارج ليسوا عموماً وطنيين ، وإنما يستعدون الإدارة الأمريكية على بلدهم في سيناريو شبيه بالسيناريو العراقي، وليس صحياً لأن التحرك الشعبي الصحي، يفترض أن يكون غير طائفي، من جهة، ويحمل برنامجاً وطنياً، من جهة أخرى، والأمران غير متوفرين.
غير أن الاحتقان الاجتماعي الذي يرجع إلى زمن طويل، ربما إلى 1963، هو مشروع، ولا يمكن إلا أن يأخذه المرء في الاعتبار.
الإصلاح الوحيد، الذي يمكن أن يتحدث عنه النظام، ويكون مقبولاً، هو الانتقال إلى النهج الوطني سياسياً، واجتماعياً واقتصادياً..
سياسياً يعني أن يسير المرء في خط مستقيم ضد النفوذ الاستعماري، الذي تمثله تحركات الإدارة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، والتي ترمي في نهاية المطاف إلى تغصيبها، وإعادة احتلالها في مشروع الشرق الأوسط الجديد، المعروفة خطوطه العامة..
واجتماعياً في نقل الفرد من تابع SUBJECT إلى مواطن، أي نقل الشعب من رعية إلى مجموعة مواطنين. قانون الأحوال العرفية هو جزء هامشي جداً في الموضوع.
الرعية علاقتها بالسلطة (أي سلطة) هي العصا: لا يحق لها أية مطاليب، وليست لها أية حماية، والعصا هي حق الحياة والموت، فموت أحد الرعية لا يساوي شيئاً، ولا يكلف حتى تأنيب الضمير.
تُرفع الأسعار، تُقطع الكهرباء أو المياه، تزداد الضرائب، تتضخم الفواتير، يعامل المراجعون العاديون بازدراء، يهمل المريض في المستشفى، أو يخضع لعلاج قاتل، إلخ... ولا يحق لأحد أن يحتج. تغيير الحكومة لا يعني شيئاً. المفروض أن يكون للحكومة برنامج عمل، وأن تكون مسؤولة عن تنفيذه أمام مؤسسة ما، أمام مجلس الشعب، مثلاً. لا شيء من ذلك: تقبل الحكومة يد الرئيس وتفعل بعد ذلك ما تريد، في إطار حصانة، هي تقريباً مطلقة. وفي الوقت نفسه يستطيع عنصر مخابرات بسيط ، ودون أية صلاحية أو تفويض (فقط لأنه مخابرات)، أن يرفس باب أي وزير برجله، بل باب رئيس الوزراء، ويأمره بما يريد.
ولأن الحكومة تحكم على مزاج أعضائها، وتؤمر من هذه السلطة الأمنية أو تلك، يصير القانون، جيداً أو غير جيد، إلى كان، فالقرار هو فردي، بمعزل عن القانون، من الموظف الصغير، وصولاً إلى مختلف المستويات الإدارية.
وحتى في حال المحاسبة، قد يحاسب الجيدون، أو الأقل سوءاً لمصلحة المنتفعين.
حالة اللاحماية للمواطن، وانعدام فعل القانون تقريباً، هي التي من المفروض أن يتناولها الإصلاح. وهذا يتطلب أن تكون الحكومة ذات صلاحية، ولديها برنامج عمل، وأن تكون مسؤولة أمام مجلس شعب يكون فعلاً هو أعلى سلطة في الدولة.
واقتصادياً بالوقوف على مسافة من الليبرالية الجديدة، التي تفرضها المؤسسات المالية التابعة للإدارة الأمريكية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، إلخ).
هل يمكن الإصلاح بالمعنى الذي رسمنا بعض خطوطه؟ لا نعتقد، فالعوامل، التي تسببت بالاحتقان الاجتماعي، ما تزال موجودة، وبعضها خارج عن الإرادة، لأنه يتعلق بالوضع الدولي والإقليمي، وبعضها الآخر ممكن المعالجة، ولكن يحتاج إلى تضافر القوى الوطنية في المجتمع.
الحل الأمني لما جرى في سورية قد يقمع الاحتجاجات إلى حين، ولكنه لن يستطيع الوقوف في وجه التحريض الدولي، ولا معالجة الاحتقان الاجتماعي المتراكم منذ زمن طويل، بل الحل الأمني يزيد الاحتقان ويعقّد المشكلات أكثر فأكثر.
ليست المسألة هي في التفتيش عن بعض المتورطين، فهذا التورط استقطب جمهوراً، وقد يستقطب جماهير أوسع فأوسع.
المسألة هي معالجة الاحتقان الاجتماعي، وهي أصعب بكثير من الحل الأمني. ولذا ستبقى العصا هي الناطق الوحيد غالباً، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وسيبقى ذلك ذريعة للسعار الأمريكي والأطلسي.