قراءة في كرّاس: دولة الإخوان.. والمنطلقات النظرية والفكرية

أنجز الأستاذ المحامي الرفيق سمير عباس منذ أكثر من عامين، دراسة عميقة حول «دولة الإخوان والمنطلقات النظرية والفكرية - المشروع السياسي لسورية المستقبل»، قام من خلالها بتفكيك البنى والمنطلقات النظرية لحزب الإخوان المسلمين (الجماعة) ـ قيادة التنظيم السوري في الخارج، حيث كان هذا التنظيم قد قدم هذا المشروع ليعبر - حسب وجهة نظرهم- عن كل القضايا التي تهم الوطن.

الدراسة جاءت موضوعية وعميقة، واعتمدت على الدقة والتجرد في انتقاد الجوانب السلبية في «المشروع»، ومحاولة التنبيه للآثار التي ستنجم عن تطرف وجمود العقل الصانع له.

وتم العمل بنقل المفهوم من المشروع ثم الجواب عليه بالترتيب نفسه دون إغفال أية فكرة أو ملاحظة مهمة، حرصاً على الأمانة العلمية وعلى موضوعية البحث، مع الاختصار الشديد حيث أن المشروع أقرب إلى الكتاب المدرسي منه إلى مشروع عمل..

دولة الإخوان والمنطلقات النظرية والفكرية

تستند دولة الإخوان على المنطلقات النظرية لها، لذلك ينبغي المرور عليها قبل شرح مرتكزات الدولة الحديثة من وجهة نظر الجماعة.

ترى الجماعة أن الكتاب والسنة هما (مصدر رؤيتنا لصياغة، مشروع حضاري)، وترى أن (الشريعة الإسلامية نصوص ثابتة) (إن منهجية الإسلام الخالدة لم تربط المسلمين قط بغير الكتاب والسنة).

لذلك ترى أن المبادئ الفكرية لبناء الدولة هي:

الإنسان مستخلف في الأرض: بما أن الإنسان خليفة الله في الأرض، فعليه أن يطبق شريعة الله فيها.

الإنسان والحرية: الإنسان حر إلى حد حريته في الدخول في الإسلام (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة 256.

وهذا أول المظاهر المتطابقة مع المطالب الأمريكية في تنظيم الإسلام بما يتوافق مع سياستها العالمية سواء في المملكة العربية السعودية أو بقية العالم.

وحيث أن هنالك تيارين رئيسيين في الحركات الإسلامية تيار يتبنى هذا الراي، وتيار يتناقض معه باعتبار أن كل غزوات الرسول (ص) تقريباً هدفت لنشر الإسلام بالسيف، وباستثناءات من النص المقدس لا حصر لها لن نكررها، ونكتفي بالتالي: من القرآن  «اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم» التوبة /5/. والحديث الشريف: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) البوطي ـ الجهاد في الإسلام ص41.

ليس المهم أيهما صحيح أو خطأ بل، المهم أن الإخوان يستمدون كل منطلقاتهم النظرية من سيد قطب المتشدد جداً، ومن المنهل الفقهي لابن تيمية تاريخياً. وقد استمر هذا في المشروع السياسي نفسه، لكنهم عدلوا نقاطاً تصر عليها الولايات المتحدة، منها: حرية الدخول في الإسلام، ومنها الجهاد، ومنها شكل الدولة الديمقراطي، والموقف من حزب الله، والموقف من الدولة، مع أن موقفنا الشخصي هو الدعوة بالإقناع إلا أننا نناقش براغماتية الإخوان لأن المشروع يحتوي تشدداً يفوق السابق كما يظهر تناقضاً صارخاً.

وهذا هو التنازل الأول المقدم للولايات المتحدة.

العدل بين جميع البشر: وهو حسب المنطلقات النظرية تتم بإقامة الدولة الإسلامية المؤهلة للعدل بين الناس فلا عدل خارج الإسلام.

التنوع للتعارف والحوار: يستند إلى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

ولكن أتقاكم حسب الحديث الشريف ليس أتقى الناس كافة وإنما أتقى المسلمين تحديداً.

العالم مساحة الدعوة إلى الله

الجهاد في سبيل الله: وهو كالفقرة السابقة «الإنسان والحرية»، حيث هنالك اتجاهان في الفقه الإسلامي تبنت الجماعة الرأي المعتدل منهما بعد أن كانت لجأت إلى السلاح في الوطن سابقاً.

والنصوص في شأن الجهاد كثيرة لدى أصحاب الرأي الآخر مثلاً: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون بدين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) التوبة /29/.

ومن الاحتفاظ بملاحظات الفقرة السابقة نفسها (الإنسان والحرية)، فإننا نذكّر القارئ بأننا سنفاجأ بأن الإخوان تبنوا النظرة المعتدلة للجهاد تزلفاً لأمريكا، لكنهم أصروا عليه داخل الوطن ضد العلمانيين والأديان والطوائف الأخرى بتشدد يفوق الوهابيين بمراحل. وهذا هو التنازل الثاني على الطوائف جهادياً داخل الوطن.

ويبدو هنا أن ثمة شرطاً أمريكياً شاملاً للاعتراف بهم كبديل محتمل يضم الدعوة والجهاد على الطريقة الأمريكية وقد نفذ، وتليه شروط أخرى.

الشريعة ليست نظاماً للجريمة والعقاب فقط بل هي نظام: اجتماعي، وسياسي، واقتصادي أي أنه انقلاب شامل لبنية الدولة والمجتمع بالتدريج, والتدرج: أي أن الانقلاب في بنية المجتمع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سيكون تدريجياً لضمان رسوخه.

مرتكزات الدولة الإخوانية الحديثة

دولة ذات مرجعية: المرجعية هنا هي النص المقدس الكتاب والسنة، والتراث الثقافي المنبثق عنهما.

العروبة: هذه الدولة عربية تتمتع بتفوق العروبة استناداً لحديث نبوي الشريف (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) الجامع الصحيح.

لم يكف الجماعة فرض المذهب المتشدد كأساس للدولة الإخوانية بل الآن دخلنا في تفوق العروبة في سورية المتعددة القوميات التي تنتمي للوطن لا لقبيلة أو طائفة، والكارثة أن هذا التفوق العرقي الصرف للعرب أصبح مقدساً أيضاً بعد إقرار حديث عن رسول الله (ص) من خارج النصوص المتفق عليها. فلا يمكننا بعد الآن إذا أصبحوا في السلطة المناقشة حول المساواة العرقية بين الناس داخل الوطن الواحد، لنصبح كفاراً مرتكبي الكبائر، ويصبح دمنا ومالنا وعرضنا حلالاً.

إن هذا الفهم المشوه ينسف أساس أية ديمقراطية حيث يفترض سلفاً وقبل الحديث في الحقوق الدستورية والمجتمع المدني، قومية متفوقة، أي إخلال بالمواطنية التي لا تميز بين إنسان وآخر، وبدون إلا أو استثناء.

إن من يريد ذلك هو من يعلو بالعرق فوق الآخرين، وبالتالي يوقظ نزعات قومية تمزق وحدة الوطن المستقرة منذ مئات السنين. فمن قال لا نريد رئيس وزراء كردي الأصل (المقصود الأيوبي) وكبار رجال الجيش من تركمان وشركس؟ أو ليست سورية من البلاد القليلة في العالم التي تحتضن أية جنسية أجنبية مهما كانت وتجعلها من أهل البلد قبل مرور جيل واحد. أو لم تحتضن سورية العرب قبل وبعد الفتح الإسلامي، هذه سورية. (وهذا لا يعني أننا نطالب بإلغاء عروبة سورية ولا بتحويلها إلى دولة فوق قومية)؟!

هدف الدولة (الوعد بالمعيشة الضنك لمن لا يوالي): تستشهد الجماعة في مشروعها بآية من القرآن الكريم هي: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) طه 124. أي أن من لم يذكر الله وقصر في ذلك مباح جعل معيشته ضنكاً بقوة القداسة، وهذا تحت عنوان وارد في المشروع هو (هدف الدولة) أي أن الهدف هنا هو التفريج والتيسير على المؤمنين والضنك لمن لا يذكره دائماً جل جلاله، إذاً ينتظر هؤلاء الفقر المبرمج هذه المرة ضد قسم من السوريين بسبب عقائدهم.

ولنلق نظرة على استعراض العقائد في المشروع: ينتقد الشيعة بالاسم لعقيدتهم الدينية، ثم يذكر طوائف الأقليات الدينية بصراحة بأنهم (الطغاة الخلطاء)، وينتقد كل الاتجاهات السياسية التي لا تتوافق مع نظرة الإخوان السياسية. وهذا يشمل كل أحزاب سورية، ويعتبر الكتابيين تحت حماية الدولة المسلمة، أي ليسوا مواطنين وإنما محميين، والحماية تقتضي الجزية والخضوع، فيجب على الكتابي أن يخضع وهو صاغر. وفي كل هذا تجاوز لكل مبادئ العدالة التي تساوي بين المواطنين بغض النظر عن العقيدة والعرق.

المرأة في دولة الإخوان

بعد الإطالة في مديح المرأة الظاهري مع تأكيد عدم أهليتها للشهادة وتبرير عدم أهليتها، يصل المشروع إلى أهم النقاط حول المرأة، وهي:

يستعين المشروع بالحديث النبوي الشريف: (ما رأيت ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) رواه الشيخ وأبو داود.

وأعتقد أن نظرة المشروع للمرأة لا تحتاج إلى شرح بعد الاستعانة بهذا الحديث، مع أن الإسلام الحنيف لم يقصر في مساواة الرجل بالمرأة ونفي دونيتها، ولن ندخل في نقاش حول نسب الحديث وصحته إلى عدمه مع أننا نرجح عدم صحته.

يرى الإخوان أن الأساس في الأسرة هو الشكل الإسلامي، وهو لديهم الذي يبتعد عن حرية المرأة التي تقود إلى (مجهولي النسب) وهي الأسطوانة المعتادة. اي أن المرأة ليست فقط عورة، بل إنها إذا أخذت حريتها سوف تستلقي على ظهرها فوراً ويأتي الأولاد أولاد حرام.

يرد في المشروع: (السلطة في تصورنا الإسلامي، لا تتحرك في فراغ بل إنها تتحرك في دائرة من الثوابت) (بهدي النصوص الشرعية).

إذاً، كل السلطات يجب عليها أن تتحرك في إطار التصور الإسلامي، وذلك كما يرى الإخوان الإسلام، لا كما هو فعلاً، وأية سلطة لا تدور حول هذا فهي باطلة.

دولة الإخوان الاقتصادية

وهذا مربط الفرس، فهذا قلب البرنامج السياسي الحقيقي للجماعة (الإخوان)، فالجماعة ترفض الاقتصاد الاشتراكي والرأسمالي وما بينهما. البديل هو الإسلامي.. فلنبحر في هذا الاقتصاد.

إنه الذي يحل القيم محل قوى السوق الخفية، والقيم هي: (الواجب، الإحسان، الشفقة، تجنب العيب والحرام). إضافة إلى حث المسلمين على العمل، والوسطية في الاستهلاك. فهم يرون أن مشكلتنا الاقتصادية عدم الإيمان وجوهر عدم الإيمان هو الربا، ثم يقررون أن الغنم بالغرم وقاعدة الاستخلاف الشهيرة: المال مال الله، وقاعدة التكافل، وهي الزكاة والصدقة والوصية والوقف والكفارات.

والآن ننتقل مباشرة إلى التطبيق العملي في سورية:

تقر الجماعة أن هنالك أزمة اقتصادية في سورية، وأن /22%/ من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وترى الجماعة السبب في:

التخطيط المركزي وتخلف القوانين ووجود القطاع العام ونمو اقتصادي متأرجح ونقص في برامج التنمية البشرية وغياب محركات السوق في حماية المستثمر وضعف كبير في قطاع المعلومات.. والحل الإخواني هنا:

الانتقال إلى اقتصاد السوق المفتوح، والمحافظة على قطاع النفط والغاز والثروة المعدنية كقطاع عام فقط.

تشجيع القطاع الخاص ـ جذب رؤوس الأموال السورية من الخارج والعالمية أيضاً ـ خصخصة القطاع المصرفي ـ رفع القيود على رؤوس الأموال ـ الانتقال للاقتصاد الإسلامي بإقامة بنوكه ومؤسساته ومنها الزكاة.

إن الجماعة توافق على العولمة. وجوهر العولمة اتفاقية «الغات» كما أسلفنا. فما تأثير ذلك على الصناعة عماد الاقتصاد؟!

إن الانفتاح الجزئي واستيراد نصف السلع سوف يؤديان الآن إلى إغلاق مائة وعشرين ألف منشأة صناعية (قاسيون العدد 298)، فإذا افترضنا أن اقتصاد السلطة الإخوانية سيطبّق، فسيتضاعف هذا العدد، أي سوف تخرج من السوق منشآت الصناعة التي تشغل معظم عمال سورية في الصناعة. أي سيتدمر الإنتاج الصناعي الصغير والمتوسط لعدم قدرته على المنافسة الجدية مع الإنتاج الأجنبي.

لا للقطاع العام!

ثم إن تصور الإخوان يقضي بإلغاء القطاع العام، أي إغلاق لمعامل تشغل عشرات ألوف العمال، وعدا الأثر الاجتماعي للإلغاء الذي سنعود عليه فإن حرمان البلاد من القطاع العام الصناعي والإنشائي سيجهز على بقية القطاع الصناعي ككل، أي أن سورية ستصبح عارية تماماً من مركز قوتها الاقتصادية الرئيس.

ومن غير المفهوم لماذا التركيز على إلغاء القطاع العام، فهذا القطاع رغم الفساد القائم الآن، يعطي ناتجاً إجمالياً قدره /50%/ من الدخل الوطني. (د.قدري جميل، الإصلاح الاقتصادي بين الأبيض والأسود).

المطلوب إيقاف الفساد وليس الإلغاء، لأن أي بلد نام لابد له من حماية إنتاجه حتى يقف الاقتصاد على قدميه، وهذا ما فعلته الدول الكبرى جميعاً بحماية الإنتاج المحلي حتى قوي فسمح بالاستيراد. (بريطانيا، أمريكا، اليابان، كوريا الجنوبية...).

وليست مفهومة الرغبة في إلغاء القطاع العام في ظل حجة فساده. فإذا كان الإخوان يرون أنفسهم نظيفي الكف، وهم سيقودون الاقتصاد مستقبلاً حسب زعمهم، فإن القطاع العام لن يصبح فاسداً وسترتفع حصته من الدخل الوطني من /70 ـ 80%/ فهل ندمر هذا الإنتاج؟!

هناك حلان: إما أن الإخوان لا ثقة لهم بنظافة كف رجالهم، أو أن الهدف من تصفية القطاع العام ليس فساده بل استكمال الإجهاز على الصناعة الوطنية، تنفيذاً لتعليمات العولمة ولخدمة البورجوازية التقليدية التي ستشتري هذا القطاع وتستغل الأرباح الناجمة عنه بدلاً من بقاء الأرباح في خزينة الدولة، لتذهب إلى جيوب البيروقراطية ثم إلى جيوب التجار الكبار ثم إلى خزائن الغرب؟!

ولا يعقل أن نعتمد على أن تقوم البورجوازية بإنشاء صناعات جديدة بدلاً عن المغلقة (120 ألف منشأة)، وما سيضاف عليها بعد توسع السوق المفتوحة، وتدمير القطاع العام فرأس المال القادم (إذا أتى) ذو طابع ريعي (عقارات، فنادق)، وليس بطابع إنتاجي، وهو لا يتيح أي تقدم للتصنيع في البلاد، حيث تشترى عقارات وتبنى عقارات وتباع ثم يتم (شفط) الأرباح إلى خارج البلاد بالقطع النادر، مما يخفض قيمة العملة السورية ويشفط القطع النادر الذي يجب أن يوجه للتصنيع، فنصبح بلا تصنيع ولا قطع نادر.

وهناك حتماً صناعات ستقام، ولكن أية صناعات، إنها غالباً ذات الربحية العالية ورأس المال البسيط، أما الأكثر تقدماً فسوف تتوجه إلى شركات شرق آسيا حيث الشروط الموضوعية أفضل: (بدون ضرائب تقريباً،ـ مهارة العولمة،ـ انخفاض الأجور نسبياً، دعم الدولة... إلخ).

ولا توجد لدينا إمكانية لمنافسة هذه الشروط، فلا نستطيع إعفاء هذه الصناعات من الضرائب إذا قبض الإخوان على السلطة وفتحوا البلاد وألغوا القطاع العام، لأننا نكون قد خسرنا للتو معركتنا الاقتصادية التي تركت الاقتصاد على شفا الموت. ولا نستطيع إعفاء الرأسمال الأجنبي وأخذ ضرائب من الصناعة الوطنية حيث ستغرقها البنوك الأجنبية فوراً. ولا نستطيع منافسة العمالة الماهرة التي أصبحت لديها خبرة عميقة في الإنتاج الصناعي ذي التقنية العالية، ولا بأجورها الأرخص نسبياً منا (في مجال العمالة الماهرة النادرة لدينا).

وكما أسلفنا، في ظل السوق المفتوحة  ستنهك الصناعة السورية، وسينسحب ذلك على كل القطاعات الاقتصادية: الخدمات والتجارة والزراعة، حيث سوف تغيب أجور العمال عن السوق مع البطالة الناجمة عن السوق المفتوحة.

وهذا يعني إضافة أعباء جديدة ناجمة عن اقتصاد السوق المفتوح إلى الزراعة، حيث يؤدي (المفتوح) إلى سلسلة من التفاعلات عليها، منها دخول الرأسمال الكثيف للزراعة بشراء الأراضي الواسعة والأتمتة. ونستطيع أن نخمن من سينتصر في حرب الأسعار التالية الفلاح أو الرأسمالي؟ التجارب المشابهة حطت بالفلاحين إلى الحضيض.

ومنها كوارث وقف تدخل الدولة في الزراعة. ولنأخذ مثالاً: القمح: يقدم دعم للقمح بمقدار /20%/ تقريباً، والاقتصاد المفتوح يعني وقف هذا الدعم وترك الاقتصاد حراً.

وإذا رفع الدعم ستترتب النتائج التالية:

1- انهيار إنتاج القمح السوري لغياب الدعم حيث أن سعر القمح عالمياً /9.50/ ل.س وتشتريه الدولة بسعر /12.30/ ل.س لأن الزراعة تصبح خاسرة، وبالتالي فالاستيراد أوفر.

2- سوف تتصاعد تكلفة الرغيف على المواطن مترافقة مع البطالة الشاملة.

3- ستخسر سورية فوراً المداخيل بالقطع الأجنبي الناجمة عن تصدير مليون طن من القمح وهي فائض الإنتاج.

4- ازدياد البطالة المتوقع من انهيار الإنتاج فوحدة الأرض الكافية لإعالة عائلة سيرتفع وسيحتاج فلاح نموذجي إلى ضعف مساحة الأرض التي كانت تكفيه سابقاً مع المحاصيل غير المدعومة في ظل منافسة الشركات الزراعية الكبرى، سورية أو أجنبية.

وفي ظل المفتوح لن نتمكّن من استخراج النفط وطنياً واكتشافه وتكريره، لأن هذا يستلزم ادخار شامل وسلامة الاقتصاد الذي يوفر هذا. ومع الاقتصاد المفتوح سوف ينهار الادخار العام، وبالمنطق فإننا سوف نسلّم هذا القطاع إلى الشركات الأجنبية..

خاتمة

إن  الإسلام  بريء مما يحاول هؤلاء المتأسلمون استخدامه دينياً لخدمة أهداف سياسية هي في التحليل النهائي معاكسة لروح الإسلام وجوهره، فالإسلام يحفز إلى التقدم، وهؤلاء يدعون إلى التخلف، والإسلام دين سماحة، وهؤلاء دعاة تعصب، والإسلام يكرس الحوار والشورى، وهؤلاء يريدون فرض آرائهم بالإكراه والعنف.. يقول عنهم فرج فودة في كتابه المشهور الحقيقة الغائبة: «إن أشد ما نُكبت به هذه الأمة هو التفسير الديني لوجهات النظر السياسية، وقد بدأ هذا التفسير منذ عهد الفتنة الكبرى وإلى عهدنا هذا. وطوال التاريخ الإسلامي كان المتخالفون يساندون وجهات نظرهم المختلفة بحديث أو قول مأثور بغض النظر عن درجة صحته. وإن لم يجدوا فلا أسهل من ليّ النصوص لتقوم بالغرض المطلوب. فما من أمر من أمورنا إلا وله فتوى، سواء كان هذا الأمر من أمور الدين أم الدنيا»ً.