كلّهم «يحبون» الإرهاب و«يكرهون» الفاشية!
تتفق جهات مختلفة ومتناقصة المصالح، دولية وإقليمية ومحلية، على «معاداة الإرهاب». والأهم أنها تتفق على استخدام مصطلح «الإرهاب» لتوصيف ظواهر مثل «داعش» و«النصرة» وأشباههما. فمن أين لجهات متصارعة في كل شيءٍ تقريباً أن تتفق على مصطلح واحد وموحد يصف «العدو الأساسي» لها جميعها، كما تدعي على الأقل؟
تتفق جهات مختلفة ومتناقصة المصالح، دولية وإقليمية ومحلية، على «معاداة الإرهاب». والأهم أنها تتفق على استخدام مصطلح «الإرهاب» لتوصيف ظواهر مثل «داعش» و«النصرة» وأشباههما. فمن أين لجهات متصارعة في كل شيءٍ تقريباً أن تتفق على مصطلح واحد وموحد يصف «العدو الأساسي» لها جميعها، كما تدعي على الأقل؟
قبل كل شيء، هل يصف مصطلح «الإرهاب» أو «terrorism» حقيقة داعش والنصرة؟ إن ما يمكن فهمه من المصطلح لا يتجاوز القول بأن أفراداً أو جماعات أو دول تقوم بممارسات ترعيبية وتخويفية وترهيبية للوصول إلى غايات سياسية محددة. النتيجة الأولية هي أن مصطلح «الإرهاب» لا يكشف إلا رأس جبل الجليد، تاركاً الكتلة الكبرى منه غارقة في محيط التأويلات المتضاربة. بالمقابل فإن ما يصف حقيقة هذه الكتلة هو مفهوم «الفاشية الجديدة»، المفهوم الذي يعكس جوهر ظاهرة الإرهاب وأساسها الاقتصادي والسياسي، فالفاشية الجديدة هي أكثر الأشكال رجعية لحكم طواغيت رأس المال المالي الإجرامي المشتغل في القطاعات السوداء من سلاح ومخدرات وإتجار بالبشر، وهي في الوقت ذاته تعبير مكثف عن عمق أزمة النظام الرأسمالي العالمي بأسره، كما أنها شاهد على المرحلة الانتقالية بين توازنين دوليين، قديم وجديد، فخروج وحوش السوداء الفاشية إلى النور هو أحد سمات هذا الانتقال، ولذلك فإنّ غياب هذا المفهوم الذي يصف عمق الظاهرة وجوهرها لا يحتاج إلى كثير عناء في التفسير.. ما يحتاج إلى تفسير هو طريقة استفادة الأطراف المختلفة من تغييبه وتقديم مصطلح «الإرهاب» إلى الواجهة كبديل عنه.. وهنا نقرأ ثلاث زوايا نظر المختلفة:
أولاً (الغرب): باعتباره مركز الأزمة الرأسمالية، فلا مصلحة له البتة في كشف طبيعتها وجوهرها، وخصوصاً الانقسام الموضوعي القائم بين تيارين «فاشي جديد» و«عقلاني»، يتصارعان فيما بينهما، ويتخادمان في الوقت ذاته في الصراع ضد «الآخرين».. فوجود «الإرهاب» يعني ضرورة «الحرب على الإرهاب»، وهذا يسمح من حيث المبدأ بشن حروب عديدة وتوسيعها، لأنّ «الحرب هي الرئة الحديدية التي تتنفس منها الرأسمالية»، ويسمح فوق ذلك بخلق «صراع الحضارات» بعد وسم الإرهاب بالسمة الإسلامية، ويسمح تالياً بالضرب في خاصرة المنافسين في معركة تكون فيها واشنطن «خصماً وحكماً»..
ثانياً (بريكس): بدورها دول بريكس، وفي إطار صراعها مع واشنطن والغرب، والمنظومة السياسية الاقتصادية القديمة، منظومة القطب الأمريكي الواحد، تحيّد مصطلح الفاشية جزئياً كي تبقي الصراع ضمن الحدود المطلوبة، لأن تظهير مفهوم الفاشية واعتماده، يعني تحويل الانتقال السلس المطلوب من عالم القطبية الواحدة نحو عالم متعدد الأقطاب، إلى انتقال حاد ربما يستدعي صداماً مباشراً كبيراً وكارثياً، وهذا الاتجاه في عدم تظهير حقيقة الصراع ضد الفاشية تفرضه محاولات مجموعة بريكس وخصوصاً روسيا تثبيت الاتجاه نحو الحلول السياسية، وهو ما لا يلغي حقيقة أنها تلعب دوراً ملموساً في لجم التيارات الفاشية. ويمكن القول أن روسيا وفيما يتعلق بتسمية «الإرهاب»، تتبع مع واشنطن سياسة «الحق الكذاب» ضاربة أثناء ذلك عمق الفاشية الجديدة.
ثالثاً (أنظمة المنطقة): بما يخص أنظمة المنطقة، سواء منها الداعمة للإرهاب، أو تلك التي يهاجمها، فإنّ المشترك بينها هو «هواها الغربي» الذي يظهر واضحاً في منظومتها الاقتصادية الليبرالية التابعة للغرب، والتي تبذل قصارى جهدها للدفاع عنها، ولتحييد أي فهم اقتصادي- اجتماعي لأزماتها.. فالأزمات هي «أزمات حضارية وثقافية»، وليست أزمات نهب واستغلال وفساد، وهو ما يتقاطع مع الترويج الغربي لصراع الحضارات، وما يسمح لهذه الأنظمة بتقديم نفسها كنصير للـ«الخير» في وجه «الشر» على طريقة أفلام الكرتون.