الإرهاب الأمريكي والابتزاز السياسي..
قامت الدولة الأكثر رعاية للإرهاب عبر العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، بإدراج تنظيم «جبهة النصرة» في القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية، عبر بيان صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الثلاثاء 11 من شهر كانون الأول 2012، في وقتٍ تصاعدت فيه عمليات هذا التنظيم القاعدي التكفيري في سورية، من تفجيرات أخذت باستهدافاتها صبغة طائفية لا يمكن إنكارها، خاصة في العديد من أحياء دمشق وحلب وأريافهما. وبعد التناوب بين التأكيد تارة والنفي تارة أخرى لمسؤولية هذا التنظيم وأشباهه عن تلك التفجيرات والعمليات، تدعو أداة أمريكية-غربية أخرى- هي الفرع «السوري» من تنظيم «الإخوان المسلمين»- إلى مراجعة هذا التصنيف الأمريكي نفسه، على لسان رئيس الائتلاف الإخواني «معاذ الخطيب»، مع تكرار لهذا الموقف من قبل ببغاوات التمويه العلمانية و«التعددية» الأخرى المزيّنة لـ «ائتلاف الدوحة لقوى المعارضة والثورة السورية». فما هو جوهر هذه المواقف، والمغزى السياسي من توزيع الأدوار بين أعداء الشعب السوري هؤلاء؟
للرأي العام: «كفّنا طاهرة»
عندما ظهر على الإعلام بعض مقاتلي التنظيمات التكفيرية في حلب ليعلنوا عن رفضهم تمثيل ائتلاف الدوحة لهم، كان المقصود من الرسالة أن يظهر للسوريين ولـ «المجتمع الدولي» أنّ معارضة الدوحة-اسطنبول، بريئة من الجرائم الفظيعة، والعمليات القذرة التي ترتكبها تلك التنظيمات، وذلك لإبعاد أية شبهات أخلاقية أو إرهابية تعيق تبرير الاعتراف الدولي بها، والذي كان مطلوباً تمريره بسرعة وسهولة آنذاك. ومن جهة ثانية كان مطلوباً تعزيز وتبرير استمرار تدفق السلاح والتمويل الخارجي للمقاتلين المرتبطين بالأجندات الأمريكية-الغربية بحجة أنه يستخدم «للدفاع عن النفس»، وتبرير إعلان الائتلاف لهدف «دعم وتوحيد المجالس العسكرية الثورية ووضعها تحت مظلة مجلس عسكري أعلى»، تحقيقاً لتكتيك التدخل غير المباشر، بعد فشل التدخل العسكري المباشر، الأمر الذي تطلّب على ما يبدو الإمعانٍ في الخلط بينهم وبين الأنواع الأخرى من المسلحين الموجودين على الأرض السورية، ولاسيما مسلحي الأحياء من المواطنين السوريين، الذين تسلحوا عفوياً دون نية الارتباط بأية أجندات خارجية، والذين دُفعوا إلى ارتكاب خطأ التسلح لأسباب موضوعية وذاتية تتعلق بالضغوط التي تعرضوا لها من قمع وتهميش من قوى الفساد داخل الدولة والمجتمع من جهة، ومن تحريض واستغلال إعلامي ومادي من الجهات الدولية والإقليمية المعادية للشعب السوري من جهة أخرى، وخاصة بعد أن برزت كثيرٌ من التفاصيل والحقائق عن وجود خلافات وصدامات بين أولئك المسلحين السوريين، وبيئاتهم الاجتماعية المدنية الحاضنة - والذين يمكن ويجب الحوار معهم - من جهة، والمسلحين التكفيرين، الأجانب في معظمهم، من جهة أخرى.
على الطاولة: «النصرة قبضتنا»
لم يترسخ تماماً بعد تراجُع الأمريكان عن إنكارهم لتبدّل ميزان القوى العالمي، واقتناعهم بضرورة الحلّ السياسي للأزمة السورية وتقديم التنازلات، ولكنّ التزامن بين إعلانهم لوضع «جبهة النصر» على لائحة الإرهاب، وبين اعتبار عملائهم لذلك خطوة «متسرعة»، لا يعتبر كما يبدو ظاهرياً تناقضاً في المواقف، بقدر ما هو تقسيم للعمل، وتوزيع للأدوار. فعندما يتظاهر السائس الأمريكي الواحد بأنّ الثور الإرهابي المربوط برسنه، منفلت «من تلقاء ذاته» في الحلبة السورية من جهة، وفي الوقت نفسه يرخي الرسن الآخر لدابّته السياسية لتصرّح بأنّ الثور «غير إرهابي» بالضرورة، فهو بذلك يبعث لكلّ مفاوض محتمل من الطرف الآخر، رسالة مفادها أنّنا كأمريكان، وإن اضطرتنا ظروفنا المأزومة وواقع التوازن الدولي الجديد إلى لبس قفاز التفاوض، فإنّ قبضتنا الحديدية جاهزة للقيام بضربات إرهابية على شاكلة تفجيرات وعمليات «جبهة النصرة» وأمثالها، فأعطونا حصتنا من دم السوريين وعَرقهم ووطنهم، ولكم حصتكم، ولاداعي لمزيد من الشرح، فنحن فاسدون ولنا أدواتنا من المعارضة الفاسدة، فلنصل إلى تفاهم مشترك معكم يا قوى الفساد في الداخل، وليذهب الشعب وأولئك الوطنيون «المقيتون» إلى الجحيم!
فهل ينجح الشعب السوري في تجميع قواه الوطنية، على تنوعها، في لجم الثيران والدواب الأجنبية، وحيتان الفساد الداخلية، ويحلّ أزمته بالحوار الوطني، ويستعيد وطنه وينتصر؟