الافتتاحية الإبراهيمي والتوافق الدولي
أنهى الإبراهيمي زيارته لدمشق، هذه الزيارة التي سبقها وواكبها الكثير من الضجيج الإعلامي والتكهنات والتفسيرات والتخمينات لمضمون مباحثاته، والتي تحدث فيما بعد عنها للإعلام.
وكان قد سبق هذه الزيارة العديد من الاجتماعات، أهمها اجتماع وزراء الخارجية لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بمبادرة من الابراهيمي وكذلك اجتماعات على مستوى الخبراء، بحثت كلها بالحل السياسي للأزمة.
وأعطى الابراهيمي قبل زيارته لدمشق إشارات ذات مغزى، أهمها أن دمشق تتأخر في تحديد موعد لاستقباله، وهو بحاجة لضغط روسي على دمشق لتحديد هذا الموعد.
وخلال وجوده في دمشق التقى وفداً واحداً من المعارضة الوطنية الداخلية واستثنى من اللقاء بقية القوى.
وغادر دمشق باتجاه القاهرة ثم موسكو والتقى وزير الخارجية الروسي، وكان من الواضح أن هذا اللقاء تخللته خلافات جدية استناداً للمؤتمر الصحفي المنعقد بعده.
إن الابراهيمي لم يقدم مبادرة للحل. وإنما تقدّم بأفكار هي تحضير لخطة متكاملة تضمن الحل. مستنداً لتأييد (المجتمع الدولي) وخاصة الدعم الروسي الأمريكي لجهوده والمعبّر عنه من أكثر من طرف على أنه توافق روسي أمريكي، لا بد منه لحل الأزمة.
من الصحيح تماماً أن التوافق الروسي الأمريكي ضروري للوصول لحل الأزمة السورية ولكنه كما يتبين، شرط ضروري ولكنه غير كاف وحده للحل.
إن التوافق هو انعكاس لميزان القوى القائم بين الطرفين .. والذي مازالت محصلته صفرية ولمرحلة ليست قصيرة كما يبدو.
ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن الأمريكيين سيتخلون عن أهدافهم تجاه سورية والتي تتمثل في إلغاء أو اضعاف الدور السوري في المنطقة عبر عملية إحراق سورية من الداخل، هذا الإحراق الذي يحتاج لاستمرار العنف والقتال وقطع الطريق على الحل السياسي الحقيقي.
إن الأفكار التي طرحها الابراهيمي في زيارته الأخيرة في جوانبها الرئيسية هي مبادرة الجامعة العربية من حيث الجوهر مع بعض التعديلات، فرغم أنه لم يتحدث عن التنحي أو تفويض الصلاحيات، إلا أنه وجد صيغة أخرى حول الحكومة كاملة الصلاحيات، بقصد دفع النظام للرفض، وبالتالي إعطاء متشددي النظام المبرر للاستمرار في محاولة الحسم العسكرية، مع كل ما يحمله ذلك من أخطار على البلاد.
ومن ناحية أخرى يشير لقاء الابراهيمي مع المعارضة الداخلية إلى اعتماد طرف واحد من أطراف المعارضة الداخلية، وإذا أضفنا لذلك اعتماد الأمريكيين وحلفائهم لطرف من أطراف المعارضة الخارجية (كممثل شرعي للشعب السوري). يتضح أن عملية الحوار المنتظرة والحكومة المقترح تشكيلها، تتكون من النظام كطرف أول وفريقين معارضين معتمَدين كطرف ثان، ما يعني إقصاء عدد كبير من قوى المعارضة وخلق مشكلة في تمثيل المعارضة. يمكنها أن تشل السير نحو الحل السياسي الحقيقي. وتظهير قوى لا تمثل أحداً في الداخل السوري أو لديها تمثيل شكلي تاريخي ضروري لديكور.
ما يخلق الأرضية لمحاولة إنجاز صفقة سياسية، وتحويل الحوار الوطني إلى حوار شكلي مطلوب من الأمريكيين وعملائهم، وقوى الفساد في الداخل، ينتج عنه تقاسم جديد للسلطة والثروة بعيداً عن المصالح الحقيقية الوطنية والاقتصادية الاجتماعية للشعب السوري، وهو ما يبقي الأساس لانفجار الأزمة قائماً.
إن اعتماد الأطراف المعارضة المذكورة أعلاه كممثل للمعارضة، يشير بأن الأمريكيين لا يستبعدون احتمال إنجاز صفقة مع قوى الفساد في النظام وجهاز الدولة، بعد تحميل رأس النظام مسؤولية مجريات الأحداث والأزمة برمتها.
إن التوافق الأولي الروسي الأمريكي كتعبير عن ميزان القوى الدولي القائم لا يستطيع وحده أن يضمن تحقيق حل حقيقي للأزمة السورية، بل يمكن الاستناد إليه من القوى الوطنية والخيّرة والشريفة في البلاد في إنجاز مهمة تحقيق ميزان قوى داخلي يؤدي للخروج الآمن من الأزمة. وهذا المخرج يمر عبر حوار وطني شامل واسع وعلني ومديد لا يقصي أحداً يرفض التدخل الخارجي وينبذ العنف، حوار يؤدي لإنجاز الاصطفاف على أساس وطني واجتماعي. ويؤدي لتشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة الصلاحيات، تدير المرحلة الانتقالية باتجاه الوصول لنظام ديمقراطي تعددي.
لا بد من البدء فوراً بهذا الحوار بمن حضر مع بقائه مفتوحاً لانضمام من يريد إليه بما في ذلك قوى المعارضة المسلحة التي تقبل الحوار.
إن مهمة الابراهيمي المستندة إلى التوافق الأولي الروسي الأمريكي والمتمثل في اتفاق جنيف قد تمخض عنها جملة أفكار وطروحات تميل عملياً للتفسير الأمريكي للاتفاق، مما يعني استمرار الوضع على ما هو عليه بانتظار حصول توافق على تفسير اتفاق جنيف ووضع ذلك التفسير موضع التطبيق مع إبقاء إمكانية المناورة والتلاعب من الطرف الأمريكي لإعاقة الحل وإطالة أمد الأزمة والصراع لا بل اشتداده، ما لم تستطع القوى الوطنية الإمساك بالمبادرة ودفع الأمور باتجاه الحل السياسي والحوار الوطني.