عزمي بشارة: الإنتاجية، معدلات النمو، الديمقراطية..
التقت الجزيرة يوم 29-3-2011 المفكر العربي د. عزمي بشارة الذي أفرد أثناء اللقاء جزءاً مطولاً من حديثه لمقاربة الوضع في سورية ومآلاته وتداعياته، وقد ارتأت «قاسيون» نشر مقاطع مطولة من هذا اللقاء نظراً لأهميتها.
سورية في قلب الحدث اليوم، ماذا يجري في سورية دكتور عزمي؟
إننا في حقبة تاريخية واحدة، تتشابه فيها بنى الأنظمة الحاكمة وتتشابه حاجات الشعوب وطلباتها، وقلنا سابقاً إن ما يجري سيصل إلى الجميع، ومن الواضح أنه لن يلتف حول بلد مركزي وكبير مثل سورية فقط للاعتبارات السياسية المتعلقة بمواقفها السياسية الخارجية التي جعلتنا في كثير من الأحيان متحالفين معها على مستوى دعم المقاومة ورفض الإملاءات الأمريكية والرهان على المقاومة العراقية وأخذ مجازفات حقيقية في الرهان على المقاومة العراقية، وغير ذلك مما يمنح سورية مكانةً خاصةً حتى لدى أناس يؤيدون الديمقراطية ويريدون الديمقراطية، ولكن هناك تقاطعات كبيرة وهناك صراعات كبرى وجودية تتعلق بهوية المنطقة جعلتنا نلتقي مع سورية، ولكن في النهاية في كل الدول توجد شعوب لديها مطالب محقة، ولا يمكن استخدام الاعتبارات السياسية على أهميتها للتغطية على ممارسات سياسية واقتصادية وإدارية لا ترضي المواطنين ولا ترضي الفئات المخلصة في الأنظمة نفسها.
ما تقييمك لهذه الممارسات في إدارة المجتمع، في الإدارة السورية للمجتمع السوري؟
هذا موضوع يطول، وهناك الكثير من الدراسة والبحث تتناول هذا الموضوع، وقد طرحت في مقالات سابقة لي طرحت قضية (الكارتيل) الحاكم الذي يقوم في حالات كثيرة بتهميش الحزب ويحوله إلى رابطة مصلحية، من حزب أيديولوجي يناضل بمواقفه لأنه مضطر للتنافس مع الآخرين فيصبح مضمون له موقف القيادة بالمجتمع والدولة دستورياً وهذا أمر غريب، فيتفرغ أيديولوجياً وسياسياً من مضمونه ويصبح غير مناضل، ويملي مواقفه ويتحول إلى مكان لأصحاب المصالح الذين يستخدمون الدولة لتحقيق مصالحهم، وتغول الأجهزة الأمنية بالشكل الذي حصل قد يكون لدى بعض أي نظام تفسير حول كيفية بدء هذا التغول، ولكن في النهاية يصبح هذا التغول أمراً يصادف المواطن في حياته اليومية في أمور لا علاقة لها بالأمن أحياناً، وهذا التغول حول الأجهزة الأمنية إلى مصالح اقتصادية، فالفساد الذي لم يعد يترك أي قطاع من قطاعات الحياة الاقتصادية والسياسية دون أن يمسه بلوثة الفساد التي تضع الإثراء الشخصي فوق المهنية والواجب.
المواطن هنا يتحول إلى أحد شخوص روايات كافكا، ويدخل في دوامة من الصباح إلى المساء لكي يرتب أموره بحيث لا يتعرض للأذى وليس لكي يستفيد، لقد دخل الفساد إلى الأجهزة الأمنية، وهذا أمر خطير حتى بالنسبة للأمن القومي، فإذا لم تكن الحدود آمنة لجهة دخول السلاح سيكون الفساد أكثر من قضية اقتصادية، والفساد بهذا المعنى أصبح قضية أمن قومي، ورغم ذلك هناك إنكار لوجود الفساد في المستويات العليا، وهذا غير صحيح إطلاقاً.
وأضف إلى ذلك رجال الأعمال الجدد ومطالبهم، إذا تبنيت اللبرلة الاقتصادية على النموذج التونسي، فإن النموذج الاقتصادي التونسي فشل وما زالت سورية تحاول الوصول إليه، أي القيام بلبرلة اقتصادية مع سلطوية سياسية ونتيجة هذا ستكون كارثةً حقيقية، لأن اللبرلة مع السلطوية السياسية دون رقابة ديمقراطية من المجتمع تؤدي إلى نهب المجتمع، سواءً عبر نهب قطاعه العام بالخصخصة، أو عبر تملك أراضي الدولة وشواطئها، أو عبر عملية السطو على قطاع التربية والتعليم وغيرهما من القطاعات التي كانت الدولة تكفلها للفقير في فترات سابقة وكان هذا يؤدي إلى أن المجتمع يتناسى الحرية مقابل الأمور التي تؤمنها له الدولة من تعليم وصحة، أما اللبرلة الاقتصادية دون ديمقراطية تعني عملياً أسوأ أنواع الرأسمالية الطفيلية التي تعتاش على نهب الدولة، فهي لا تدفع ضرائب بسبب تفشي الفساد، والفساد يتفشى لغياب الديمقراطية، وإذا الدولة لم تأخذ ضرائب من هؤلاء فكيف ستعيش؟ على المعونات؟! إنها ستعيش على الضرائب من الناس البسطاء، أو أنها ستتوقف عن تقديم الخدمات، ولن تعود قادرة على تقديم البنى التحتية التي ستتدهور وسيجري تآكل في مصادر البلد الطبيعية، وهذا الوضع الذي في حال تكاتفت عناصره مع بعضها من لبرلة اقتصادية بالنمط السلطوي، أي لبرلة دون لبرلة سياسية، بل لبرلة اقتصادية تنشئ فئات طفيلية تعيش تحت أسماء مختلفة مثل الشركات القابضة التي هي قابضة على الناس عملياً(...).
لماذا درعا إذاً
أمور عديدة متعلقة بوضعها الاجتماعي الثقافي، وكيفية إدارتها، وأنا قلت إن المناطق التي اشتعل فيها الاحتقان بشكل خاص كانت المناطق التي تشهد نقاشاً بين السكان والمحافظين ويتعلق النقاش بأسلوب إدارة المحافظ.
أي ليست النقاشات طائفية؟
قطعاً لا، ولكن بالتأكيد هناك من سيعمل على رفع هذه الشعارات إقليمياً، فبالتأكيد هناك أعداء جيواستراتيجيين لسورية سيراهنون على هذا الصراع، وهذا هو السبب الحقيقي وراء الحذر بالتعامل مع سورية، فهناك من سيراهن على الشعارات الطائفية للتخلص من الموقف السوري في قضايا أخرى، وأنا أتكلم بكل حرقة لأنني أعتقد أن الموضوع مصيري ووجودي، ولم يعد الوقت لإسداء النصائح فقط بل إنه وقت الترجي لتقبل النصائح، والوضع الوجودي والنصائح لا تتعلق بمصلحة النظام في سورية- على اعتبار أن هذه ليست وظيفتنا- وإنما تتعلق بإرادة المحافظة على سورية.
كلينتون تقول إن بلادها لن تتدخل في سورية كما تدخلت في ليبيا، فما هي الفكرة التي يراد إيصالها إلى الناس، هل سورية تتعرض لخطر كبير إن حدث ارتباك أو ثورة عارمة كما حدث في البلدان الآخرى؟
بالنسبة لحديث هيلاري كلينتون حول التدخل، بالأصل إن تدخلها في ليبيا هو من أغرب الأمور التي حصلت، فعلاقة كلينتون بالقذافي وبعائلة القذافي حتى قبل أسبوعين من الثورة الليبية موثقة بالصورة والصوت، وكلينتون لم ترد التدخل في ليبيا أيضاً وهذه قضية غريبة من حيث تبلور المعارضة في ليبيا ومن حيث أخذها لهذا الطابع، ولكن كلينتون لا تستطيع أن تتدخل في سورية وليس مطروحاً أن تتدخل في سورية، وليس لديها أية قدرة أخلاقية أو سياسية أو عسكرية للتدخل في سورية، وأظن أن لحظة تدخلها بأي شكل ستوحد الشعب السوري كله، فهنا الرهان على المشاعر الوطنية والعروبية للشعب السوري، وهو شعب مناضل وواع وقد تحمل كثيراً تحت شعارات من هذا القبيل.
وبالنسبة للعرب فأنا أؤيدك بأن العرب يخشون من التغيير وقد يتجاوزون خلافات سياسية فيما بينهم لتفاديه، وهذا ليس مقتصراً على الحالة السورية، فقد تضامن القادة العرب مع بعضهم باستثناء حالة القذافي، والقلق الحالي هو خوف من التغيير بشكل عام.
أقصد القلق على سورية تحديداً بحكم ظروفها الاستراتيجية؟
هذا صحيح، ولكن لا أقترح على سورية أن تعتبر هذا القلق العربي مصدر قوة، فكما حصل بعد أن حضرت المقاومة العراقية بالإنجاز الكبير في هزيمة المحافظين الجدد، والمقاومة اللبنانية في 2006 بإفشال المشاريع الأمريكية بشأن لبنان بعد 2003 بعد التدخل في العراق، سورية انتقلت من وضع صعب إلى شعور يتجاوز الثقة بالنفس قليلاً، وأنا كان رأيي أن موقف سورية لم يزدد قوةً، فالقوة تكون اقتصادية- اجتماعية وليس بأعداد وزراء الخارجية الذين يزورون العاصمة، ومصدر القوة الرئيسي هو التماسك الاجتماعي، ومصدر الشرعية هو الإنتاجية ومعدلات النمو والديمقراطية ووطنية المواطن السوري ونسب الهجرة والهجرة المضادة والرضا عن مستوى ونمط الحياة وعن التماسك الحقيقي في معركة تحرير الجولان وعن الوقوف الحقيقي للدفاع عن البلاد ومصالحها الوطنية..
القوة ليست في المناورة جيواستراتيجية بسبب الوضع الأمني الجيواستراتيجي للمحافظة على التوازن والاستمرار بالمناورة دولياً، ولا شك أن هناك مهارة سورية في هذا الصدد مكتسبة عبر الزمن ولكنها لا تكفي كمصدر قوة أساسي، ولذلك فالاتصالات الهاتفية التي أعلنت حول الأمير الفلاني والملك الفلاني جيدة، ولكنها ليست مصدر القوة الأساسي الذي إنما يكمن في علاقة النظام بشعبه ومدى التفاف الشعب حول النظام، وهذا مالم يعد يكفي فيه الهتاف للسيد الرئيس، وأقول هذا مع محبتي الصادقة ورغبتي الصادقة أن ينجحوا بعملية الإصلاح إلا أن كلمة إلى الأبد والأبد يجب أن تنتهي من القاموس فليس هناك شيء بلا نهاية، والشيء الذي يجب أن يكون على المدى البعيد هو الشعب السوري والدولة السورية ومؤسساتها وآليات عمل هذه المؤسسات بعد أي رئيس للدولة، وليس أن يكون البرنامج الوحيد للناس هو الالتفاف حول الشخص مهما كان هذا الشخص مهماً.
يجب بناء مؤسسات، ونظرياً فإن كل المسؤولين يتفقون معك حين تقول هذا الكلام، ولكن في التطبيق يقولون هذا غير ممكن وذلك غير ممكن فالظروف لا تسمح، وإذا بقيت في هذا المنهج فستجلس لتواجه ما تواجهه الآن.
ـ هل يبدو من سلوك النظام السوري أنه جاد في قضية النظر بالإصلاحات؟
صحيح أن هذا الموضوع يخص النظام السوري، ولكنه لا يخصه لوحده، فمصير سورية هام جداً لنا كعرب، ومهم جداً للمشرق العربي، فنتيجة التقسيمات الاستعمارية هناك قضية ساهمت الأنظمة الاستبدادية بإذكائها، وهي قضية الطائفية، وهي مقتل في المنطقة التي تحوي الهويات بكل أنواعها وتتقسم وتتشرذم، ولا تنتهي هذه القضية المقتل إلا عبر بناء مواطنة حقيقية في ظل عروبة ثقافية جامعة للجميع، وهو الشكل الجديد للقومية العروبية وليس الشكل الأيديولوجي الذي كان سائداً، وهذا ما تؤكد سورية عليه بجدية، ولكن كل هذا له معنى عند المواطن فإذا لم تقترن عملية بناء المواطنة هذه بأمور إيجابية مثل الحريات والكرامة وعدم الإذلال والفرص للشباب فمن الممكن أن تخرج أجيال من المواطنين- الذين لم يشاركوا في النضالات السابقة ولم يضح أهلهم في حركة التحرر الوطني- تعادي كل الانتماء الوطني والعروبي(...).
(...) بالمحصلة، أنا أعتقد أن الاقتناع بالحقوق الديمقراطية يجب أن يكون موجوداً، والاقتناع بضرورة نقل البلد إلى الديمقراطية وضرورة سير الإصلاحات بهذا الاتجاه، وعندها فقط تكون الإصلاحات جدية، لاسيما وأنك تعلم بأنك لن تحكم إلى الأبد لأن لا شيء اسمه للأبد!.
لدينا زعماء حكموا 40 سنة ويرتكبون مذابح لكي يتابعوا حكمهم، هل هذا طبيعي؟ كيف تقبله البشرية وكيف يقبله الإنسان ذو الكرامة والعزة؟ هل انقطعت الدنيا؟ ولماذا يجب عليَّ أن أهتف طوال الوقت؟!..
أفهم أن هناك مناسبات وطنية، وأفهم أن هناك رموزاً يجب أن أحترمها، ولكن لماذا تتلخص سياسيتي الثقافية بالهتاف لفرد؟! وأقول بكل وضوح لا تقوم دولة دون احترام لرئيسها وأفرادها، فبالنهاية هناك رمزيات ومراتب ولا تقوم الدولة دون نظام، ولكن لا تقتصر الثقافة السياسية على الهتاف لساركوزي، والمصيبة أنهم يهتفون له الآن في طرابلس في حين لم يهتف له أحد في فرنسا!.
من غير المعقول أن يكون هذا موجوداً حتى الآن، والتخلص منه يتطلب أول الأمر بالاقتناع بأن الحاكم لن يحكم للأبد، ويشعر بأن الشعب أعطاه شرعيته بغض النظر عن كيفية ذلك، حتى وإن لم يتم انتخاب الحاكم يجب أن يفترض أن مصدر شرعيته هو الشعب وليس العكس، وليست الأمور مكرمات بأن يتكرم الرئيس بعلاج فلان مثلاً، نحن نريد تأميناً صحياً ولا نريد أن يتكفل أي رئيس بعلاج أي مواطن.
ماذا يجب على النظام السوري أن يفعل الآن لنزع الفتيل، أم أن الأمر قد فاته؟
لم يفته الأمر، ولم تفلت الأمور، ولكن يجب عليه التعامل مع الأمر بالجدية اللازمة في عملية الإصلاح التي قد يكون لها تبعات كثيرة، فأنت لا تستطيع أن تبني استقلال القضاء وترضي في الوقت نفسه كل الناس، فمتجاوزو القانون سيحزنون، ولكن هذا لا يعني ألا تبني قضاءً مستقلاً وليحزن المتجاوزون، ومكافحة الفساد ستحزن أناساً مقربين من السلطة، ولكن يجب أن يكافح الفساد، وإذا أردت فتح حرية التعبير فعليك فتحها الآن وليس لاحقاً.
بالنسبة لسورية فأنا أعرفها، وأنا صديق وما زلت، وقد تقاطعت طرقنا في النضال على قضايا عربية وعلى قضايا المقاومة والدفاع عن عروبة المنطقة وعدم تبعيتها للغرب، ولكن ولا مرة امتدحت النظام السوري على أدائه الداخلي، وكنت مستعداً لتحييد هذا إلاّ أن الشعب السوري أعلن عن نفسه، وأشعر أنه يجب أن يقال ما نقوله اليوم علناً ويجب أن تتخذ إجراءات جدية وعندما تقول سأفتح المجال لحريات الإعلام فهذه قضية لا تحتاج تأجيلاً، ولن تخبر الدنيا طالما أمنع التحريض الطائفي، وهذا ما أقوله بحق، ولكنني أؤكد أنه لا يمكنني أن أمنع التدين.
نعم يمكنك أن تمنع التحريض الطائفي وتحصين الشعب السوري منه، وأفضل طريقة لذلك هي شعور المواطن السوري بالمساواة.
ما رسالتك لأبناء درعا؟
لقد قلت إن مطالبهم محقة، فمنطقة درعا فيها أعلى نسبة هجرة للخارج للبحث عن عمل، وقد أغلقت آبارها الارتوازية، وأعلى نسبة تسرب من التعليم الابتدائي، وهناك غير ذلك، ولكن درعا احتجت على اعتقال أطفال تحت سن الخامسة عشرة ولم يفد بالإفراج عنهم الاتصال بالأجهزة الأمنية بأية طريقة، ودرعا للعلم بلد مدني متجاوز للعشائر، ولكن الناس تلجأ للعشيرة في المصائب من هذا النوع، ولم يفرج عن الأطفال حتى انتفضت درعا، وحتى عند ذلك فقد كان طابع الاعتصامات نخبوياً، من حقوقيين ويساريين وشباب على فيس بوك وتويتر.. الخ، وكل هؤلاء باعتقادي مطالبهم مشروعة، حتى أولئك الذين اعتصموا أمام وزارة الداخلية وتظاهروا في سوق الحميدية وهتفوا «الشعب السوري ما بينذل»، فعلاً الشعب السوري لا يذل وهذا شعار صحيح ويجب أن يهتفوا به، وقد هتفوا بحياة بشار الأسد للتغطية على هتافهم في الحميدية. أما في درعا فهي انتفاضة شعبية وهذا ليس تآمراً خارجياً، إنه شعب له أطفال تحت سن الخامسة عشرة معتقلون لم ينفع للإفراج عنهم الحديث مع المحافظ أو غيره، فانتفض الشعب، هل تطلق النار عليه؟ هذا غير مقبول، وأنا متأكد أن انفلاتاً وقع فليس كل ما جرى جرى بأوامر لأن الحديث يدور عن 55 شهيداً، وهؤلاء يجب على الدولة أن تعلنهم شهداء وأن تتعامل معهم كشهداء
كيف تنظر إسرائيل وأمريكا إلى ما يجري في سورية؟
طبعاً هناك شيء متناقض، فإذا بقي مشغولاً بقضاياه الداخلية لفترة طويلة سيكون هذا مفيداً لهم، وإذا كان مضطراً طوال الوقت لاستحضار الإرهاب الإسلامي وغيره من المصطلحات فهذا مفيد لهم، وعدم الاستقرار مفيد لهم، أما الانتقال إلى إصلاحات ديمقراطية حقيقية عميقة تؤدي في النهاية إلى نمو اقتصادي حقيقي بعد استرجاع الأموال والكفاءات السورية من الخارج، وضرب الفساد، وتحقق شعور الناس بأنها ليست في خدمة النظام وإنما النظام في خدمتها، إذا تحقق كل هذا ستكون سورية مصيبةً لأمريكا وإسرائيل، فبالنهاية سورية لديها ثروات وإمكانات كبيرة، وكل هذا ممكن أن يتم في ظل الرئيس الحالي، وهذه فرصة كبيرة ويجب عليه ألاّ يفوتها، ولكن بالنهاية هذا قرار وله انعكاساته على لبنان وفلسطين بقوة هائلة.
وبالنهاية إسرائيل وأمريكا يريدون النظام السوري مشغولاً بالداخل طوال الوقت، ولا يريدون سقوطه لأن الفوضى ستعبر الحدود بطبيعة الحال.
هذا التحالف بين السياسي ورجل الأمن ورجل الأعمال، هل يسمح بمرور بعض الإصلاحات؟
أعتقد أنه قادر فمنصب الرئيس في سورية ما يزال منصباً قوياً جداً قادراً على أخذ زمام المبادرة، وبإمكانه أن ينشئ هيئة مكافحة فساد ويضع على رأسها مدعياً عاماًتابعاً له، وبإمكانه أن يصادر نصف أموال الفاسدين ويبني بها مشافي، وممكن أن يفرض ضرائب بأثر رجعي على الفاسدين الذين لا يمكن محاسبتهم.
لكن الحرية أولاً!
نعم، ولكن الشعب السوري إذا رأى أن هذا الذي سرق ولم تثبت إدانته تم فرض ضرائب رجعية على ثرواته تحت شعار من أين لك هذا، سيتأكد أن مشاكل نصف الجامعات السورية والمشافي السورية يمكن حلها، كم برأيك يدفع رجال الأعمال في سورية من الضرائب؟ هل نقول إن زيادة اللبرلة والخصخصة بدل وضع ضرائب تصاعدية لكي يستطيع القطاع العام يقدم الخدمات للفئات الفقيرة بالمجتمع أو يقوم بإنشاء البنى التحتية التي لا يستطيع أحد في سورية إنشاءها سوى الدولة؟ سورية متخلفة من 20 إلى 30 سنة من حيث البنى التحتية، وهذه أمور يجب أن تتم لتحقيق أي تنمية قادمة.