عيد الجلاء.. لكي لا ننسى

سينسى البعض في غمرة الأحداث التي تعصف بالبلاد أن هناك مناسبة، ليست ككل المناسبات، ستطل على سورية في السابع عشر من نيسان.. مناسبة تعني الاستقلال بكل ما يعنيه من كرامة وعزة ووجه مستقل..

وسيستغل البعض الآخر هذه المناسبة لتوزيع شهادات في الوطنية التي يظنّ أنّه يحتكرها، بعد أن فصّلها على مقاس بدلاته الرسمية، ذات الجيوب الواسعة، والتي اشتراها بفضل جهد الشعب السوري، الذي بنى وطنه بعد أن حرره من ربقة الاستعمار. ولن ينسى هذا البعض بالمقابل أن ينعت كلّ من يخالفه الرأي بصفات الخيانة والاندساس، لا لشيء إلا لأنّ هذا الآخر عكّر صفو طفيليته وبيروقراطيته ببعض الآهات التي أطلقها، والدموع التي سفحها على الوطن الذي يباع مع مواطنيه في السوق الحرة..

وسيزعم آخرون أن الوقت ليس مناسباً لمثل هذه «الترّهات»، فالظروف ليست موائمة لـ«بيع الوطنيات» بينما الدماء تسيل، فيفوتهم أن قيم هذه المناسبة ورمزيتها والوقوف عندها والتأمّل فيها وبأبطالها وشهدائها هي إحدى السبل الأساسية لإيقاف محاولات إغراق البلاد في الفوضى والتفتيت والفئوية، وإلهائها عن دورها المحوري في مواجهة المستعمرين بحلتهم الجديدة التي أنست البعض أنهم مستعمرون..

لاشك أن المناسبة هذا العام تختلف في ظروف إطلالتها عن كل السنوات السابقة منذ خمسة وستين عاماً، فالبلاد برمّتها تقف عند مفترق طرق، والصراع بين الشرفاء والفقراء والوطنيين من جهة، والفاسدين والمرتبطين والقمعيين والناهبين من جهة أخرى، على أشدها، ومحاولات تمزيق الوطن إلى كانتونات وطوائف وعشائر في ذروتها، واحتمالات الفرز الخاطئ والتصويب الخاطئ للسلاح في أوجه.. ولكن هذه هي بالذات الأوقات التي يجب فيها استلهام معاني الجلاء.. معاني الوحدة الوطنية والبوصلة الدقيقة الموجهة جيداً ومواجهة العدو الخارجي المتربص بالبلاد وبالشعب صفاً واحداً ويداً واحدة وقلباً واحداً وإرادة واحدة..

إنه الجلاء.. فلنحتف به كما يليق بشعب ما انفك يقاوم رغم كل قيود العسف والفقر والتهميش والتي يجب أن تتكسر الآن، لكي تستمر البلاد بالاحتفال بالعيد وهي موحدة وقوية وحرة..