ثورات الفرات الوطنية وَقَومَاتُهم الطبقية 1/2
«إحنا، مين إحنا.. اسألوا التاريخ يقرا صفحتنا». كلمات من أغنية يا حيف لسميح شقير، وهي ليست لأهالي درعا فقط، وإنما للشعب السوري ككل بكافة أطيافه من جنوبه إلى شماله ومن غربه إلى شرقه، وتعبر عن إرثه وتاريخه الوطني..
هذا التاريخ، صنعه الشعب ويفتخر به كلّ أبنائه، وهو الذي يفرز القادة خلال مسيرة نضاله، وليس القادة من يصنعونه وهو في المحصلة أيضاً تاريخ للوطن والمنطقة والتاريخ الإنساني..
سليمان الحلبي الذي قتل الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية على مصر بعد نابليون بونابرت، وجول جمّال كذلك، فخرٌ لنا بكل أطيافنا.. هما فخرٌ للسوريين وللعرب ولكل الشعوب التي تناضل ضد الظلم والاستغلال والاحتلال.. يوسف العظمة مِثالٌ إرادة المقاومة، ومرسخها كتقليدٍ ثوريٍ في ميسلون التي نفضت عن جناحيها غبار التعب.. وسلطان الأطرش وإبراهيم هنانو وصالح العلي والأشمر و..و.. فخرٌ لكل الأطياف في الوطن.. كلّ هؤلاء لم يصطنعوا المجد أو يطلبوه.. فقط قاموا بما يرونه واجباً عليهم والتاريخ والشعب أنصفهم..
إنّ التاريخ الحقيقي لا ينسى ولا يتجاهل أحداً من الأبطال، كما أنه لا يتسامح مع الخونة.. وكذلك الذاكرة الشعبية، لكن المؤرخين المنافقين هم الذين يحرفون الكلام عن موضعه.. فهم يسطرون تاريخ الأقوياء المهيمنين والمتنفذين وينسبون لهم كلّ البطولات.. ويتجاهلون عن عمدٍ وسبق إصرار الحقائق المشرقة..
لكن الحقائق والوقائع ستبقى أقوى من كل تزوير وإهمال.. وأقوى ممن يحاول حصرها في منطقةٍ.. وأقوى ممن يحصرها بجماعةٍ معينةٍ أو شخصٍ أيضاً.. لأن ذلك يعيد إنتاج أكثر العلاقات تخلفاً كالطائفية والعشائرية والقومية المتعصبة، بل وصل الأمر إلى أدنى من ذلك كريف ومدينةٍ.. وفرقةٍ وفرقةٍ، دينيةٍ أو سياسية أخرى من الطينة نفسها.. ناهيك عن دور قوى المال التي تحاول أن تغسل تاريخها وعارها في النهب والفساد عبر شراء الضمائر لصناعةِ تاريخٍ وهميٍ لها كما تفعل في غسل أموالها المنهوبة..
نعود للفرح الأكبر الذي قيلت فيه القصائد والهوسات والأهازيج مثل: لو هلهلت هلهلنالك.. وربعي دوم موسدين البر.. ونظمت له العراضات وغنيت لأجله الأغاني ابتداءً من «زينوا المرجة والمرجة لينا» ووصولاً إلى يا حيف لسميح شقير.. إنه تاريخ الشعب والوطن.. إنّ استحضار التاريخ وخاصةً في أيام المحن، هو ليس رفعٌ للمعنويات وإعادة إثارة الحماسة والحمية ضدّ الظلم والاستغلال فقط، وإنما استلهام له في كلّ ما يتهدد (الشعب والوطن)، وخاصةً تحرير جولاننا الحبيب وكل الأراضي المحتلة الذي يتناساه الفاسدون عن عمد.. وكرامتهما التي هي فوق كلّ اعتبار..
مقدمةٌ طويلة.. لكن الحدث كبيرٌ أيضاً وخاصةً في هذه الأيام، وهو ذكرى عيد كل الأعياد.. عيد الجلاء.. ويحقّ لنا كشيوعيين أن نفخر مع شعبنا بأننا اكتسبنا منه اسم حزب الجلاء.. وبعده بأيام الأول من أيار عيد العمال الذي نتمنى فيه أن تقوم طبقتنا العاملة بوقفةٍ حاسمةٍ ضد كل من يحاول أن يهمشها ويغتصب حقوقها وحقوق الشعب من الليبراليين والفاسدين ومن يساندهم.. ويليه عيد من ضحوا بحياتهم من أجل الشعب والوطن عيد الشهداء في 6 أيار، وندعو لإلغاء الاحتفالات حداداً على أرواح شهداء الوطن الجدد.. ونُذَكّر بهذا التاريخ الذي يحاول الفاسدون والمجرمون أنى كانوا.. بقتلهم للشعب وقمعه، قتل روح المقاومة وإذلالنا.. وتدمير الوطن وتفتيته.
وثورات الفرات الممتدة على ضفافه هي جزء من ثورات الشعب السوري ببطولاته وتضحياته وشهدائه..عماله وفلاحيه وسائر كادحيه ممن لم ينالوا شرف الشهادة، ولا يجوز حصرها بمنطقةٍ معينة أو جماعةٍ معينة، لأن الفخر ليس لمن قاموا فيها فقط وإنما للجميع.. وقد لقيت هذه الثورات التهميش ولم تُعط حقها سواء في التاريخ الرسمي المكتوب أو من خلال من كتبوا عنها من أبناء المنطقة الذين حاولوا حصرها في أطرٍ ضيقةٍ..
«إحنا مين إحنا».. أهالي الفرات في محافظة دير الزور ككل.. بدءاً من ريفها الغربي إلى المدينة إلى شرقها في ناحية موحسن، بكافة قراها وكل أبنائها وصولاً إلى البوكمال، وفي شمالها إلى خشام وما بعدها.. لقد كان لنا نضالات وتضحيات كبيرة ضد الاستعمار الفرنسي والإقطاع والرجعية ومن أجل الحرية والاستقلال والسعي لبناء وطن تسوده العدالة الاجتماعية وتتحقق فيه كرامة المواطن.. وقبلها كان لأهالي الفرات مواقف تاريخية إنسانية حيث احتضنوا النساء والأطفال الأرمن الناجين من مذابح العثمانيين وحموهم، وما زالت الأرمن حكومةً وشعباً يذكرون هذا الموقف بالتقدير العالي..
إنّ الحديث عن النضال الوطني يحتاج مئات الصفحات، لكننا سنذكر بعض المواقف ومنها :
• مواجهة الحملات الفرنسية القادمة من حلب وقطع الطريق عليهم وقتل العديد من الجنود في غرب المحافظة من قبل الأهالي(البوسرايا) ومنهم رمضان شلاش القائد الوطني المعروف في نضاله حتى ضدّ العثمانيين والفرنسيين.
• انتفاضات أهالي المدينة المتعددة بكافة أبنائها وعوائلها..ومنها هجومهم على مقر الحاكم العسكري والسيطرة عليه وقتلهم للجنود وحتى لزوجته التي كانت تطلق عليهم النار والتي عرفت بالمدام ..
• ثورة البوخابور: وهم أهالي المريعية والبوعمر وموحسن، وهي الأكبر حيث دمروا الحملة المتجهة إلى البوكمال واستولوا على أحد المدافع وقصفوا به قواتهم..كما قاموا بالإغارة على مطار دير الزور ليلاً وحرقوا أكثر من عشر طائرات وهي في تلك الأيام تعتبر قوة عسكرية كبيرة مما دفع الفرنسيين لتجريد حملةٍ أخرى عليهم وقد حفلت بالبطولات والتضحيات وسقط العديد من الشهداء في معركة تل الشروفية الذين غبنتهم الحكومة وغبنهم التاريخ الرسمي.. ولم يسجل أحد منهم كشهيدٍ أو مجاهد..
• ثورة العنابزة: في خشام شمال المحافظة ونهر الفرات، حيث واجهوا الحملة الفرنسية عليهم وسجلوا بطولات في المقاومة والشجاعة ومنهم حمود الحمادي الذي عقل رجليه وبقي يقاتل حتى نفذت ذخيرته واستشهد..
• مواجهة الحملات الفرنسية والانكليزية في البوكمال في المدينة والقرى ومنها المسلخة التي سميت الجلاء .. وفي القطعة(المجاودة) حيث جرت معركة يسمى مكانها إلى اليوم وادي المذبحة واستشهد فيها 12 شهيداً..ومؤخراً قدم أبناء السكرية العديد من الشهداء نتيجة العدوان الأمريكي الصهيوني على بلدتهم..
• كما قدم أهالي الفرات مئات الشهداء خلال الحروب مع العدو الصهيوني ففي موحسن وحدها أكثر من ثلاثين شهيداً ضباطاً وصف ضباط وأفراداً وهم كما جيشنا الوطني الذي نعتز به وبدوره، وما من مدرسةٍ في المدينة والريف إلاّ وتتزين باسم شهيدٍ تفخر به..
• كما يعرف أهالي الفرات تاريخ بعض الخونة والمتعاونين مع المستعمر، يحتقرونهم ولم ينسوهم، وهذا درس لكل من يهمل القضية الوطنية أو يتهاون بها..
إنّ هذا التاريخ المشرف لأبناء الفرات كجزء من أبناء الوطن، يبعث على الاعتزاز والفخر، ويجب إعادة صياغته وتوثيقه ونشره وتدريسه، كذلك يجب استلهامه في الدفاع عن الحقوق..
ونستعير قول الشاعر مظفر النواب (هذول إحنا السرجنه الدم على اصهيل الشكَر يا سعود.. يا سعود إحنا عيب نهاب يا بيرق الشرقية..).. وليس كما يفعل البعض من محاولات إيجاد صراعات مشوهة أو تخوين من هبوا يطالبون بالحقوق والحرية ومواجهة المستغلين والفاسدين..
إنّ الخائن من يقمع الشرفاء ويعذبهم في الأقبية المغلقة ويسبّ أعراضهم.. إنّ الخائن من يسرق قوت الشعب وثروات الوطن.. إنّ الخائن من يدمر اقتصاد الوطن وينفذ أجندات خارجية ليسهل أخذه من الداخل .. إنّ الخائن من يحرم شباب الوطن من العمل والدراسة.. إنّ الخائن من يخون قيم الشعب وتراثه.. والشعب والتاريخ لن ينسى أبناءه الشرفاء، ولن يسامح أو يرحم الخونة، وسيحاسبهم على كلّ الموبقات التي ارتكبوها..
إنّ تمثل التاريخ النضالي والتضحيات والتمسك بوحدة الشعب والوطن في هذه الأوقات يعزز من مناعته ومن كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار..