إحراق  السوريين جوعاً!

إحراق السوريين جوعاً!

تدهور الوضع المعيشي للغالبية الساحقة من السوريين بشكل كارثي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وخلال الأسبوعين الأخيرين بخاصة، وهو الوضع المتدهور أصلاً منذ «اقتصاد السوق الاجتماعي» عام 2005، والتطبيق المتسارع للسياسات الليبرالية المتوحشة من حينه وحتى الآن.

وإن كان تسارع هذه السياسات الليبرالية، بما تعنيه من إنهاء لأي دور اجتماعي للدولة، وبما تعنيه من إطلاقٍ لعنان وحوش السوق الداخليين والخارجيين ليمتصوا أرباحهم المتضخمة من تعب السوريين ودمهم دون رقيب أو حسيب، إن كان هذا التسارع «أمراً طبيعياً» كما تبيّن تجارب دول كثيرة خاضت الوحل نفسه، كلبنان ومصر وتونس وغيرها، فإنّ ما يلفت الانتباه في الحالة السورية بوضعها الراهن هو أمران أساسيان:

الأول: أنّ تدهور سعر صرف الليرة السورية خلال الأسبوعين الأخيرين، جاء في مرحلة سياسية تحمل مؤشرات معاكسة تماماً لهذا الاتجاه، فتقدم الحل السياسي في جنيف يعني انفتاح آفاق الاستقرار التي من شأنها لا إيقاف تدهور سعر الصرف فحسب، بل وحتى تحسينه.

الثاني: هو أن التدهور جاء موازياً للتقدم العسكري وتحرير تدمر بمعانيه السياسية، العالمية والداخلية، إضافة إلى معانيه الاقتصادية المباشرة بإعادته موارد اقتصادية هامة وضخمة إلى سيطرة الدولة، وهو ما يتناقض أيضاً وبشكل صارخ مع سير سعر الصرف ووضع الناس المعيشي.

إنّ الإلقاء باللائمة في ما يجري على الحصار الاقتصادي لسورية، يظهر بوصفه كلمة حق يراد بها باطل. فإذا كان الغرب يحاصرنا، فهل نبدد احتياطات البلاد بإلقائها بين أيدي سماسرة يلتفون على الحصار بحكم علاقاتهم معه لنستورد أساسيات معيشة السوريين بأغلى من أسعارها العالمية؟ أم نتجه شرقاً نحو حلفاء الشعب السوري وهم ليسوا فقط غير مشاركين في حصار بلادنا، بل ومستعدون لإمدادها بما تحتاجه بأقل من سعر السوق العالمية؟ إنّ التفسير الوحيد لما يجري هو أنّ مصلحة الفاسدين الكبار فوق كل مصلحة، بما في ذلك أمن البلاد وقوت العباد.

وإذا كان سبب المشكلة هو ضعف دور الدولة الاقتصادي وتوسع دور المضاربين والتجار، فإنّ تقوية دور الدولة وضرب المضاربين هو قرار سياسي أولاً، وإنّ عدم القيام بذلك هو أيضاً قرار سياسي.   

إنّ مخطط «إحراق سورية من الداخل»، إذ فشل في بلوغ نهاياته المنشودة بفضل التوازن الدولي الجديد، فإنّ أصحابه وأدواته المحلية يحلمون باستكماله اليوم عبر إحراق السوريين جوعاً، بما يصب في نهاية المطاف في مصلحة الفاشية الجديدة وأداتها الإرهابية. وإنّ الإصرار المحموم على استباق دخول سورية المرحلة الانتقالية بعمليات التخريب الاقتصادي الجارية يعكس أمرين أساسيين أيضاً:

أولاً: عقلية رأس المال التي تسعى لابتلاع أضخم أرباح ممكنة قبل تغير الظروف التي لن تكون في مصلحتها في المرحلة القادمة.

ثانياً: محاولة تهيئة الوضع اللاحق لتصب عملية إعادة الإعمار في جيوب المخربين الاقتصاديين أنفسهم.

إن استمرار نظام توزيع الثروة القائم، بفساده الكبير وبسعيه المجنون نحو الربح الأعلى بغض النظر عن الوسائل والنتائج، يعني استكمال إحراق سورية من الداخل ولكن هذه المرة إحراقها جوعاً، وهذا ما ينبغي على الوطنيين أياً كانت مواقعهم تشديد النضال ضده عبر الإصرار على تسريع الحل السياسي قبل أي شيء آخر.

آخر تعديل على الأحد, 03 نيسان/أبريل 2016 16:30