الإصلاح والأزمة في سورية
كلمة «إصلاح» لا معنى سياسياً لها، أو إن معناها هو التغيير الجزئي أو الشامل لواقع سياسي ما، وقد يكون هذا التغيير للأحسن، أو للأسوأ.
والتغيير الذي للأحسن، هو الذي يصب في مصلحة الجماهير الحياتية، أي الذي يعمل وبأدوات جدية وفعالة، لا بالوعود، لرفع المستويات المعاشية ومكافحة الفقر والجوع ولتعديل التشريعات والبنى الإدارية ذات العلاقة بالمواطنين، ولمصلحتهم.
والأدوات الجدية والفعالة تتألف على الصعيد الاقتصادي من بناء إنتاجي قابل للتطور، وعلى الصعيد السياسي من حكومة ذات صلاحية، ولديها برنامج يوافق عليه برلمان البلد، وتحاسب على أساسه.
طبعاً التفاصيل في كل ذلك طويلة، وليست ضروريةً هنا.
أما التغيير الذي للأسوأ، فيكون لمصلحة شلة حاكمة تتمتع بخيرات البلد وتدوس القوانين، وتحرك الأمور دوماً لمصلحتها، أيضاً التفصيل في ذلك ليس ضرورياً هنا.
والإصلاح الذي تطرحه الجهات الدولية والداخلية في سورية ليس حلاً للأزمة، بأي معنى أخذ.
الأزمة هي داخلية ودولية في الوقت نفسه، والوجه الدولي لها يطالب برأس سورية، ولا تهمه أي إصلاحات، إن السيناريو العراقي، أو اليوغوسلافي، أو الليبي لا يحمل إلاّ تغييراً دموياً ضد الشعب، وتمزيقاً للبلاد.
أما الوجه الداخلي فعمره عقود، ولا ينتظر المرء في مجاله أي تغيير، سوى التغيير الشكلي.
ليست المسألة هنا في الدكتاتورية، أو الفساد، أو الطائفية، الخ.. فقط، إنها في عدم الاعتراف بالشعب: «نحن نقول، والشعب مهمته فقط هي الإيمان بما نقول.. يجب أن يؤمن بالشيء وضده».. وهذا لا ينطبق فقط على الرأس السياسي، وإنما أيضاً على الحكومة التي «ننشئها»، فهي مقدسة، سواء كان الوزراء أحياناً أميين، أو الوزير يتصرف بموظفيه كما يتصرف رب عمل بعماله: ينقلهم؛ يعاقبهم؛ يكلفهم بمهام غير مهامهم؛ يغرزهم طائفياً.. ولا أحد يحاسبه!.
رئيس الوزراء يترك الاجتماع ليصلي، ولا أحد يوجه له ملاحظة، طبعاً ليس الاعتراض على الصلاة وإنما التدين الكاذب، أيضاً رئيس الوزراء وبعض وزرائه يخرجون مشروعاً لقانون الأحوال الشخصية طائفياً، ويرجع بالبلد قروناً إلى الوراء، ولا أحد يسأل أو يحق له أن يسأل عن السر، وعن اليد وراء ذلك، وزير المالية يفرض ضرائب عشوائية يرزح تحتها مواطنون، يشكون بالأصل من صعوباتهم المعيشية، ومن يستطيع أن يحتج؟
كل ذلك غيض من فيض!.
الإصلاح الذي يلتف به الشعب حول القيادة السياسية هو قبل كل شيء وجود حكومة لديها برنامج، وذات صلاحية، وتحاسب شعبياً وقضائياً، وفي البرلمان.
ومن الضروري أن يكون البرنامج أكثر من كلام فارغ، يجب أن يكون بمثابة جدول أعمال لرفع المستويات المعاشية للمواطنين، ولرفع قيمتهم الإنسانية اجتماعياً، وأيضاً لرسم الخطوط السياسية الخارجية التحررية، وللعمل على إقامة بنية إدارية قادرة على تنفيذ المهمات القريبة والبعيدة المدى.
في الواقع الحالي للأمور، لا يمكن حل الأزمة إلاّ أمنياً، لأن وجهها الدولي يحتم على البلد إما الانهيار أو مقاومة ذلك، وتعرف الأطراف الدولية أنها لا تستطيع، ولو دفعت كل الأموال البترولية، أن تغير الوضع في سورية دون التدخل الخارجي، وهذا التدخل لا يحتاج فيه إلى ذريعة، ولكن تعد للعشرة قبل أن تبدأ به.
نتمنى أن يسيطر النظام بأقل الخسائر الممكنة، ونتمنى في الوقت نفسه، عندما يصل إلى بر الأمان أن يعترف بالشعب، لا بإصلاحات شكلية يجري تداولها، وإنما ببناء دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ومن دون ذلك ستبقى الأزمة قائمة، كامنة، أو مستعرة، وتتحول بالفعل الخارجي إلى أقوى فأقوى.
لا يمكن للمرء إلاّ أن يكون ضد تدمير سورية، ولكن عدم بناء الدولة هو عامل أساسي في التدمير.