التفجيرات والمغزى السياسي
تكاد التفجيرات الإرهابية تكون حدثا يومياً، تحصد أرواح مئات السوريين في دوامة الدم العبثية الدائرة في البلاد، واستهداف المواطن السوري البريء بهذه الطريقة البربرية يتطلب قبل كل شيء فهم المغزى السياسي لهذه التفجيرات، والأهم هو كيفية لجمها وإيقافها؟
بدأ الحراك سلمياً، وتمت مواجهته بالقمع ودخلت أطراف عديدة خارجية وداخلية على خط الأزمة ليتحول المشهد بعد ذلك إلى عنف وعنف مضاد واستخدم الطرفان ما بجعبتيهما من خطط ووسائل وأدوات، وتوهم كل منهما بإمكانية الحسم العسكري الامر الذي لم يحدث كما كان يُتوقع، ووصل العنف إلى ذروته بالمعنى العسكري دون تحقيق الهدف فجاءت التفجيرات كتكتيك جديد لينقل مركز الثقل في العمل العسكري (المعارض) إلى موقع آخر وهو الجماعات التكفيرية القادمة من الخارج تمويلاً وتدريباً وتسليحاً وأهدافاً ولتدخل في صراع حتى مع المسلحين المحليين في كثير من المواقع يصل إلى حد تصفية كل من يعارضهم من هؤلاء.
إن بروز ظاهرة المسلحين الأجانب والتفجيرات المتلاحقة وما تزهقه من أرواح عمقت ذلك المزاج الشعبي الرافض للتسلح، بمن فيهم أعداد غير قليلة من المسلحين كتعبير عن وطنية الشعب السوري وإحساسه بالخطر الذي يتهدد وجوده وهذا ما ينبغي استثماره بالمعنى السياسي لمصلحة الخروج الآمن من الأزمة والتوجه نحو الحل السياسي عبر الحوار والمصالحة الوطنية.
إن الفكر التكفيري المسلح ظاهرة غريبة عن وعي وثقافة الشعب السوري، و القوى المختلفة التي تحاول تصنيعه عبر الضخ الإعلامي والمالي المفتوح والدعم العسكري والاستخباري لن تجني إلا الخذلان والخيبة والهزيمة في حال تم التعاطي مع الموقف من القوى الوطنية في البلاد وخصوصاً في النظام، بوعي و بروح المسؤولية التاريخية تجاه مصالح الشعب والوطن أي في حال التوجه نحو الحل السياسي الشامل الذي يعتبر المواجهة العسكرية مع هذه الجماعات – حصراً - جزءاً منه، أما الاقتصار على الحل العسكري فقط في التعاطي مع الأزمة السورية والاستمرار في أوهام الحسم فيخلق البيئة المناسبة لزيادة نفوذ هذه المجموعات، ومن هنا فإن المواجهة العسكرية مع هذه الجماعات حتى تؤتي ثمارها يجب أن تترافق مع الشروع الفوري بالحوار والبدء بتنفيذ مشروع المصالحة الوطنية ببنوده المعروفة من الإفراج عن معتقلي الرأي، وحل مشكلة المهجرين والمفقودين، ومحاسبة المسؤولين عن نزيف الدم السوري... فهذه الجماعات تستمد قوتها أولاً من بيئة العنف، وغياب الحلول الفعلية، ومنسوب القلق والتوتر الاجتماعي في البلاد.
إن استخدام هذه الأساليب واستناداً إلى تجربة بلدان أخرى - العراق مثلاً - يُقصد به تعميم العنف وزيادة التوتر و تفعيل كل التناقضات الثانوية وخلط الأوراق والإجهاز على ما تبقى من دور جهاز الدولة وهيبته في جميع مناطق البلاد، ومحاولة إنهاك كل القوى الوطنية الحية في المجتمع السوري، وبالتالي إحداث فراغ والتمكن من التحكم باتجاه سير الأحداث ومآلات الأزمة بما يتوافق مع مشاريع الدوائر الامريكية الصهيونية، فأدوات التنفيذ قوى معروفة بعلاقاتها، مع عروش البترودولار العربي التي تنفذ الدور الاقليمي الموكل إليها ضمن استراتيجية الهيمنة الامريكية والخروج من أزمتها المستعصية عبر تفريغ الحركات الشعبية في المنطقة من محتواها التقدمي الثوري.
إن إحدى مهام جماعات الإسلام السياسي التكفيري هي تسويق مشروع الفوضى الخلاقة في بلدان المنطقة ومنها سورية و تشويه الصراع الدائر في البلاد، لذا فإن المطلوب من قوى المعارضة الوطنية في مختلف مواقعها وتلاوينها تحديد موقف واضح وصريح من هذه الجماعات الدخيلة على سورية كوطن وشعب وعلى الحركة الشعبية نفسها، فلا يوجد وبأي حال من الأحوال تبرير لوجودها على الأرض السورية.