الأزمة والانتخابات
تعيش سورية أزمة سياسية اجتماعية عميقة وقد تطورت فصولها إلى أن دخلت في سراديب التدويل، وأضحى الوضع يطرح مسألة هامة وهي أن أية عمليات أو إجراءات داخلية تكتسب ضرورتها ومكانتها وقيمتها من مدى إسهامها بعملية إنقاذ الوطن وخلاصه من الأزمة.
وتأتي هذه الدورة الانتخابية لأعضاء مجلس الشعب بعد صدور الدستور الجديد وإقرار القوانين الإصلاحية، فهل ستكون آليات هذه الدورة مثالاً ملموساً على أن سورية دخلت مرحلة جديدة، وأخذت تعيش حالة الانتخابات الديمقراطية التي عمادها التعددية السياسية ونزاهة الانتخابات، وهكذا فإن صلاح الانتخابات يرتبط بهذين المؤشرين وبالتالي نصل إلى أن الانتخابات ذهبت باتجاه آخر وبدلاً من أن تشير فعلياً إلى مرحلة ديمقراطية جديدة وإنها تغرق في أتون الآليات والأساليب القديمة.
صحيح أن ساحات وشوارع دمشق تشهد كومة من صور المرشحين وتطرح أسماء أحزاب لم تكن من قبل وتتضمن عناوين جديدة للدلالة على تحالفات قديمة أو جديدة.
وإذا أردنا مقاييس ملموسة فإن الوضع يزداد تعقيداً وتتعمق الشروخ الاجتماعية ويستمر القتال وتعيش الكثير من المدن و البلدات أوضاعاً تخرجها عن العملية الانتخابية، ويكمن الخطر في أن عملية الانتخابات لن تدفع بقوى جماهيرية معارضة نحو ميل المشاركة بالعملية الانتخابية، أن تكون الانتخابات خطراً وعاملاً لتعقيدات إضافية على الأزمة، ناهيك عن أن هذه الدورة القادمة لمجلس الشعب لا تتضمن في طياتها الدلالات على أن الحوار الوطني هو الاستراتيجية السياسية الراهنة، وعلى العكس من ذلك يبرز وكأن الانتخابات القادمة أفكار لوجود الأزمة، وهو ما يؤكده الإعلام الرسمي حيث أن الأمر لا يتعدى مجموعات إرهابية متفرقة وأن مهمة النظام تتلخص بالقضاء على تلك المجموعات.
أما الجانب الآخر فهو أن قيمة هذه الدورة مرتبطة بمدى ما تحمله من أدلة على أن سورية تجري فيها عملية انتخابية ديمقراطية من البدهي أن لا أحكام نهائية قبل انتهاء العملية الانتخابية لكن سيادتها.
وفي هذا الصدد فإن اختيار يوم دوام لإجراء الانتخابات سحب معه إلى الذهن الاجتماعي جملة من الممارسات المؤشرة وكأن الدوره الانتخابية ستجتاز مراحل الدورات السابقة، وقد راكمت عشرات السنوات وقائع كثيرة تصبح بمفهوم ووقائع تؤكد عدم إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعتمد على إقبال الجماهير الواسعة لممارسة حقها السياسي في انتخابات ديمقراطية وصولاً إلى مجلس شعب جديد يحمل دماغه إلى مجلس الشعب أنه جاءه بفضل ثقة وإرادة الجماهير لقد بات متراكماً في الوعي الاجتماعي أن انتخابات في يوم دوام هو تصرف لتحديد مواقف موظفي الدولة وعملها والضغط عليه بآليات متنوعة لوضع قائمة محددة بعينها.
من الملاحظ أن هذه الدورة لم تقدم أساليب جديدة للنشاط الانتخابي ولعوامل عديدة فإن التواصل مع أوسع الجماهير هو عملية لا تتوقف مناخاتها، ويذهب المرء نحو ترداد مؤشر قديم وكأن المنتخب معني بإعطاء صوته للصورة الفوتوغرافية، حيث لا يلازم الصورة أهداف ومطالب سياسية أو اقتصادية، ناهيك عن غياب البرامج وأشكال مناقشاتها في وسائل الإعلام.
وطبيعي القول أن المواطن ليس أبله حتى يجد في تغيير اسم قائمة الجبهة على دور حيادي لأجهزة الدولة، ويبدو أن هذا المجال لن يقدم أي جديد فعلي على أن أحزاب الجبهة لم تعد تتعكز على أجهزة الدولة وممارستها لإعلان قوائم الناجحين في الانتخابات.
إن خطر العملية الانتخابية هو أن يتأكد المواطن أن لا جديد في العلاقات السياسية وأن الأمر لا يتعدى لمسات ديكورية جديدة لتمويه حقائق الأمور، وليس بذلك يقدم الدليل على أن سورية تعيش الإصلاح السياسي، ناهيك عن أن الواقع لا يحتاج إلى مراهنة على أن العملية الانتخابية معزولة عن أوساط واسعة من الشعب السوري ولا يغير من هذه الحقيقة لقاء وسائل الإعلام مع هذا المواطن أو ذاك، كما لا يغير من ذلك الأسلوب الدعائي الذي تنتجه محطة FM التلفزيونية بل على العكس من ذلك فإن اعتماد ذلك الأسلوب سيدخل في ميدان التأكيد أن لا جديد في العلاقات السياسية، ولا جديد في الحريات الديموقراطية.
إن جدية العملية الانتخابية ترتبط بمدى ما تدخله من إضافات إلى الوعي السياسي الجماهيري ومرتبط بالدلالة على مدى معرفة المرشح لقضايا وطنه في مختلف الميادين وهو ما يغيب عن النشاط الانتخابي بمختلف أشكاله وليس هناك دلالات تشير إلى انتهاء عملية تقاسم المقاعد النيابية قبل أن تجري الانتخابات.
أيمكن القول إن تكتيك اعتماد العملية الانتخابية لن يحقق أية انعطافات في أمزجة الجماهير الشعبية وقد يعزل النظام أكثر خاصة وأن الدعاية الانتخابية لا تعكس طيفاً من المعالجات لقضايا الوطن ناهيك عن العبارات الغامضة الملتبسة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. اعتدنا على سماع آراء تقول يأتي مجلس الشعب ويذهب دون معرفة الشعب بشخصياته، فهل ذلك سيكون شأن المجلس القادم. وأخيراً نعيد إلى الأذهان أن قيمة الدورة القادمة لمجلس الشعب ترتبط بمدى تحولها إلى عامل حقيقي لإنقاذ الوطن وإلا فلن تضخ إلا المزيد من التوتر وتغدو عاملاً لإغراق الوطن بفصول جديدة من الأزمة. وأخيراً أليس من الطبيعي طرح تساؤل مشروع ألا وهو هل الانتخابات في كل ما يحيط بها يمكن لها تقوية النظام أم أن خواتمها لن تكون بأفضل من انتخابات الإدارة المحلية.