قوانين ماركس.. (الإرادة الشعبية).. الأزمة السورية
قولنا إن الماركسية علم يعني لها ثلاث مكونات وهي: المنهج والقوانين والفرضيات التي تسمح بدراسة وفهم وإدراك أية ظاهرة في الحياة، وهذا سيجعل التنبؤ بالمستقبل ممكنا ولكن على أرضية أن القانون عمره من عمر الظاهرة المعنية فقط. والذين يسألون هل تشيخ الماركسية ؟ الجواب نعم ! فزوال الماركسية من زوال موضوعها الأساسي وهو الرأسمالية. إن معرفة الحدود بين الثابت والمتغير قضية هامة وهذه الحدود متحركة وغير ثابتة.
إن حركة تطور المجتمع تسير دائماً إلى الأمام، وفق خط صاعد رغم التعرجات التي تظهر بشكل أو بآخر، حيث يجري التراكم بشكل بطيء أو متسارع أحياناً وصولاً للحظة بدء التحكم بالظاهرة والانتقال من التفسير إلى التغيير.
أهم أشكال تجليات قوانين ماركس
عالج ماركس الرأسمالية في ظرف تاريخي محدد (رأسمالية القرن التاسع عشر) رأسمالية المنافسة الحرة التي لم تعد موجودة اليوم في أي مكان بالشكل الذي كانت عليه، لذلك يجب النظر ضمن الظرف التاريخي لكل ظاهرة، فالكثير من المعالجات التي قدمها ماركس مازال أساسها النظري صحيحاً لأن الاستغلال مازال قائماً.
موضوعة القيمة الزائدة: عالج ماركس مفهوم القيمة الزائدة في مرحلة المنافسة الحرة، ولكن لينين استلهم الفكرة من ماركس، وعالج المفهوم ذاته ولكن ضمن مفهوم (الربح الاحتكاري) والذي يعني القيمة الزائدة على أيام ماركس مضافاً لها هوامش ربح جديدة نتيجة العرض والطلب من البضائع وقوة العمل والرساميل وذلك حسب التركيب العضوي الجديد للرأسمالية فماركس لم يضع وصفة شاملة للنضال ضد الرأسمالية فقوانين ماركس صحيحة ولكن تغير شكل تجلياتها.
التنبؤ المبكر بانهيار النمور الآسيوية: تمكن الماركسيون من الإعلان المبكر عن انهيار النمور الآسيوية، وذلك بالاعتماد على قانون ماركس الذي يقول (ميل معدل الربح نحو الانخفاض مع تغير التركيب العضوي للرأسمال)
موضوعة انتصار الثورة البروليتارية: ماركس تكلم عن انتصار الثورة البروليتارية في الغرب دفعة واحدة حسب التركيب العضوي للرأسمالية آنذاك، لكن في أيام لينين تغير هذا التركيب مما أدى إلى اكتشاف قانون التطور المتفاوت للرأسمالية، وبالتجربة العملية ثبتت صحة نظرية التطور المتفاوت واحتمال انتصار الثورة في بلد واحد.
أعتقد ضمن منطق الفرضيات أن لا نكون كالذين ركبوا موجة التغيير فرموا منظومتنا المعرفية على مزابل التاريخ لعجزهم عن فهم الثابت والمتغير واتجاه حركة التطور، وصعوبة مسالكها. ولا نكون كالأصوليين نحافظ على كل شيء حتى نحمي أنفسنا من صعوبة التفكير في القضايا الجديدة.
موضوعة التناقض الأساسي في الرأسمالية: رأى ماركس أن التناقض الأساسي في الرأسمالية هو بين العمل ورأس المال بينما التناقض الأساسي في الشيوعية بين الإنسان والطبيعة. وقال عن الاشتراكية رأسمالية بدون رأسماليين لأنها ذات طابع بضاعي يعني عرض وطلب، فماركس لم يبحث في قوانين بناء الاشتراكية بالتفصيل بل تكلم عن المستقبل في الإطار العريض.
واليوم ماهي أشكال تجليات القيمة الزائدة في ظروفنا الجديدة حيث الاستغلال الجائر للطبيعة، وللعالم الثالث وللعمل الذهني؟ أعتقد المطلوب عقد طاولة مستديرة لتلك الدزينة من المفكرين الكبار لاكتشاف المزيد والمزيد من القوانين الضرورية لمستقبل البشرية.
قال لينين : إن ماركس أطلق نظريته في عهد ظهور ثلاث اكتشافات علمية وهي: نظرية داروين للتطور – نظرية الخلية الحية - نظرية الحفاظ على الطاقة، واليوم دخلت الاكتشافات العلمية الجديدة وهي: الخريطة الجينية والتحكم الوراثي – الكومبيوتر والمعلوماتية –غزو الفضاء الكوني.
فالخطوات العلمية المكتشفة كبيرة هل قطع الماركسيين الخطوات نفسها؟ يقول لينين (الفيزياء الحديثة ترقد بحالة ولادة وهي ستلد حتماً المادية الجدلية)
قال انجلز عام 1895 ((كل خطوة تخطيها الرأسمالية إلى الأمام في إطار تطوير القوى المنتجة، هي خطوة إلى الوراء بالنسبة للإنسان والطبيعة )) هذا الكلام دعا لينين في كتابه (الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ) للاستنتاج بان الرأسمالية أصبحت رجعية على طول الخط .
وأعتقد بأن تخليص الرأسمالية المتوحشة من استيلائها على كميات عمل الآخرين لا يتم دون إزالة علاقات إنتاج الرأسمالية نفسها
أشكال تجلي التناقضات في الرأسمالية المتوحشة
التناقض بين الرأسمالية والعالم الثالث.
التناقض بين الرأسمالية والطبيعة ذاتها.
التناقض بين الرأسمالية والثورة التكنولوجية والمعلوماتية.
ولم يعد لدى البشرية والطبيعة مسافة للتراجع لأن أية خطوة أخرى في المدى التاريخي إلى الوراء تعني زوال الطبيعة والبشرية فالرأسمالية تستنزف احتياطاتها الأخيرة.
الفكرة التي عبر عنها ماركس في البيان الشيوعي (الطبقة العاملة بدفاعها عن مصالحها ضد الرأسمالية إنما تعبر عن مصالح كل البشرية وتجد أصدق تعبير لها في ظروف يومنا هذا، ظروف تعبئة وحشد كل القوى الموجودة على وجه الأرض والتي لها مصلحة بزوال الرأسمالية.)
رأس المال المالي الإجرامي العالمي: الذي يعمل بتجارة السلاح والحشيش والدعارة معتمداً على أدواته الفاشية الجديدة والمافيات الأربعة (مافيا المال - مافيا السلاح - مافيا الطاقة ومافيا الإعلام ) وهو يعيش حالة انسداد أفق تاريخي حيث لم يبق له إلا إعادة الاقتسام وديمومة الحرب بأشكال مختلفة كون الحرب هي الرئة الحديدية التي يتنفس منها، ونحن نعلم أن القوى المتراجعة تاريخياً كلها تعتمد على استنبات الفوالق المدمرة للبشرية كلها من فوالق مذهبية وطائفية وعشائرية وقومية حسب تركيبة كل بلد ومستوى تطوره، للهيمنة على إدراكنا بأن الصراع الطبقي لم يعد موجوداً والصراع الدائر حولنا شيء آخر مختلف. السؤال هو: ماهو شكل تجليات القيمة الزائدة في مرحلة احتكار واحتضار الرأسمالية هل الطبقة العملة تناضل بمفردها ضد الرأسمال المتوحش؟، أم اتسعت رقعة النضال ضده؟، وهل تغير جوهر التناقض الأساسي له؟ لاشك تساؤلات كلها مشروعة ولكن الجوهر يبقى صحيحاً حيث أن مايجري اليوم هو الاستيلاء على كميات عمل الآخرين، وليس للذين يعيشون اليوم على الأرض بل للأجيال التي لم تخلق بعد.
حزب الإرادة الشعبية وتفاعله مع أشكال و تجليات قوانين ماركس:
في 18/12/2003 قلنا بوثائقنا ما يلي: إن كل مجرى التطورات والتحليل يبين أن الامبريالية الأمريكية محكومة بالحرب، وبتوسيع رقعة الحرب، وليس من باب التبصير والتنجيم لأننا انطلقنا من رؤية شمولية للوضع العالمي، أساسها التناقضات الداخلية للامبريالية العالمية مما سمح لنا بالوصول إلى استنتاجات حول التطورات اللاحقة، وهذا التحليل هو أحد مميزات المنظور الطبقي الذي تسلحنا به الماركسية اللينينية كأداة في التحليل لذلك لم نتخبط في الرؤية، ولم نضل الطريق في الوصول إلى افتراضات سمحت الحياة بتأكيدها .
قبل الأزمة السورية بسنوات قلنا حول المهمشين في المجتمع السوري: أن الليبرالية الاقتصادية الجديدة تولد نتيجة سلوكها حالة رفض هائلة في المجتمع. وبدولة مثل سورية تولد التطرف لوجود فئات واسعه من المهمشين نتيجة ارتفاع نسب الفقر والبطالة والجهل، فيصبحون لقمة سائغة لتيارات ظلامية كما أن الليبرالية هذه تفتت الدولة والمجتمع معاً.
واليوم نقول لا عودة ولا بديل عن الحل السياسي في ظل التوازن الدولي الجديد وصولاً إلى سورية الجديدة، عبر تغيير وطني ديمقراطي و تغيير بنية النظام بشكل جذري شامل و عميق.