سورية... ما بين الانقسام الوهمي والفرز الحقيقي

سورية... ما بين الانقسام الوهمي والفرز الحقيقي

 مثلما يؤدي شعار إسقاط النظام، لدى بعض قوى الحركة الشعبية والمعارضة في سورية، إلى توحيد كامل قوى النظام، الفاسدة منها والنظيفة، وجعلها في خندق واحد، على الرغم من وجود تناقضات أساسية بينها تفقأ العين، يؤدي اللجوء إلى خيار الحل الأمني الصرف عملياً إلى توحيد قوى المعارضة والحركة الشعبية، السلمية والمسلحة، الوطنية واللاوطنية، غير المرتبطة بالخارج والمرتبطة به، المنهوبة والناهبة...ألخ، ووضعها في خندق واحد بشكل تعسفي..

وهذا ما أوصل البلاد إلى حالة انقسام صارخة بين طرفين كبيرين، هما النظام وجمهور الموالاة من جهة، والمعارضة وجماهيرها من جهة أخرى، مع بقاء التناقضات الأساسية قائمة داخل كل قسم من القسمين المتصارعين، اللذين لم يستطع أحدهما إنهاء الآخر على الرغم من نواياهما بذلك، وهذا يمثل جوهر الاستعصاء وحالة اللا حل التي تعيشها البلاد والتي ستبقى قائمة مادامت المكابرة والإنكار هي ديدن الطرفين في التعامل مع الأزمة، والتي لن تصب في النهاية إلا في مصلحة قوى الفساد الليبرالية المختبئة وراء الجماهير في كل منهما.

وتستمر الحملات الأمنية في البلاد، وتشتد اليوم تحديداً في منطقة الغوطة في ريف العاصمة دمشق، وتستهدف تلك الحملات القضاء على المسلحين وعلى ما يسمى بالجيش الحر، كما أعلن رسمياً، لكن هذا يتم قبل الإعلان عن حكومة الوحدة الوطنية ذات الصلاحيات الواسعة، المزمع تشكيلها كي تطلق الحل السياسي الشامل الذي لن يكون الحل الأمني إلا جزءاً منه، وبدأت تلك الحملات دون طرح أي مبادرة للحل مع الأهالي أو تقديم الضمانات لهم بهدف تحييدهم أو الاستفادة من جهودهم لإقناع بعض المسلحين بإلقاء السلاح طوعاً، الأمر الذي أدى إلى وضع الجميع في سلة واحدة وأثبت من جديد فشل الحل الأمني منفرداً في حل أي أزمة سياسية..

 أي أن النظام مازال مصراً على الحل الأمني على الرغم من تعثر التدخل الخارجي العسكري وانفتاح الأفق أمام إمكانية الحل السياسي والمصالحة مع الجماهير المتضررة من أخطاء النظام، المتمثلة بالسياسات الليبرالية وما أنتجته من فقر وبطالة من جهة، وقمع المظاهرات السلمية من جهة أخرى، أي أن النظام مصر على التكلفة الباهظة التي أنهكت الجيش ولم ولن تقدم أي حل حقيقي بل على العكس توسع دائرة العداء  للنظام والجيش بما يعيد إنتاج حالة الانقسام من جديد.

لكن المطلوب اليوم للخروج من الأزمة هو تحويل حالة الانقسام العمودي في المجتمع إلى حالة فرز حقيقي على أساس سياسي، اقتصادي- اجتماعي، وطني، وهذا لا يصنعه إلا حل سياسي شامل يعيد الثقة مع الناس ويضع برنامجاً سياسياً للمرحلة المقبلة ويصاغ بمشاركة أوسع الشرائح الاجتماعية من الطرفين، وهذا سيدفع أعداداً كبيرة من المسلحين، ممن انسدّ الأفق أمامهم نتيجة استمرار الحل الأمني وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، إلى إلقاء السلاح، وبعدها فقط تبدأ عملية القضاء على بقايا القوى المسلحة المرتبطة بالخارج بعد إنجاز مهمة عزلها اجتماعياً، هذا أرخص الحلول للخروج من الأزمة، وهذا ما يحافظ على الجيش قوياً وقادراً على الاستمرار بدوره الاستراتيجي في المنطقة.  

وما بين الانقسام الوهمي القائم على الولاءات والإقصاء والإنكار والعقل الطائفي من جهة، وبين الفرز الحقيقي على أسس ووطنية جامعة وموحدة للأكثرية الساحقة من السوريين، لهم المصالح السياسية والوطنية والطبقية نفسها من جهة أخرى، لنا أن نختار إما الحياة أو الخراب...