.رفض الدستور الجديد مسبقاً..شيمة «ديمقراطية» جديدة

.رفض الدستور الجديد مسبقاً..شيمة «ديمقراطية» جديدة

يعلق أحد المعارضين، المطالبين بالحرية والديمقراطية، في معرض حديثه عن مسودة الدستور الجديد بأنه سيكون ضده حتى لو كان من أفضل الدساتير في العالم بسبب عدم دعوة التيار الذي ينتمي إليه إلى لجنة صياغة الدستور، وبالطريقة نفسها يعرب الكثير من الناشطين فيسبوكياً عن خيبة أمل مسبقة، لمجرد سماعهم بدستور ما تجري صياغته، بشيء سيقطع شعارات الديمقراطية الباكية وسيل الدموع والنحيب والشحنات العاطفية الكبيرة التي ازدهرت ويزدهر سوقها وسوق أصحابها مع ازدياد منسوب الدماء، التي لم يعملوا على وقف نزيفها بقدر ما أيدوا أو برّروا حمل السلاح في الحركة الشعبية، يخاف هؤلاء من الذهاب إلى العمل السياسي الحقيقي، ولا يملكون الجرأة في تأييد الخطوة الصحيحة أياً كان مصدرها، بل يكتسبون أهميتهم من كونهم «يباركون» الجماهير ويدعمون نضالاتها فحسب...

الكل يحب الديمقراطية ولكن يبدو أن لا أحد يمارسها، وهذا يبرز من خلال محاولات إقصاء غبية ومقيتة تمارسها بعض قوى المعارضة كرد فعل على إقصاء النظام لها في محاولة إثبات وجود،أولحفظ ماء الوجه أمام الجماهير، ليظهر النظام -السعيد بهكذا معارضة-بأنه طالما بادر ديمقراطياً تجاه المعارضة، لكنها لا تملك تقاليد ديمقراطية بما يكفي، بدليل أنها تدعو لحمل السلاح وترفض المصالحة.

دولياً لا خوف على هذه المعارضة في صورتها الإعلامية والسياسية كونها تتلقى من الخارج تلميعاً أكثرمما تستحق، لكنها بدأت تفلس أمام الجماهير منذ أن بدأت تسرف في «لاءاتها» ضد الحوار والمصالحة والعملية السياسية...ألخ، أي أنها لم تبد أي نية حقيقية للحل،ربما كان فقدان الأمل بسبب الغياب شبه المطلق للحريات السياسية والديمقراطية في السابق، وهذا طبيعي، لكن أن تعمد نخب سياسية وثقافية على إبقاء الديمقراطية والحرية سجينة الشعارات، كأن ترفع شعار دولة الحريات والتعددية السياسية، وتعيق عملياً الذهاب إلى هذه الدولة، عبر التغاضي عن قوى معادية للديمقراطية في صفوف المعارضة والحركة الشعبية، وعبر الاعتماد على الخارج سياسياً وإعلامياً وصولاً إلى المطالبة بالتدخل العسكري لدى بعض القوى، وعبر الإصرار على البقاء في موقع السلبية السياسية داخلياً وعدم الثقة بالجماهير والاقتصار على النشاط على المستوى الدولي؛ هذه ضربة للمعارضة بحد ذاتها من غير أن تدري، وهنا مقتل آخر لهذه المعارضة في سورية سيقودها للعزلة بما يشبه ما جرى مع قوى إعلان دمشق في عام 2005 عندما أرادت ركوب موجة التهديدات الأميريكية والاسرائيلية في سورية، و ماجرى معها نتيجة مواقفها بعد احتلال بغداد وقدوم كولن باول مهدداً ومتوعداً إلى سورية عام 2003، فما بالك مع ظهور ميل دولي جديد، يتثبت باطراد، باتجاه تكون وضع دولي جديد تضعف فيه سيطرة القطب الاوحد إلى الحدود القصوى ..

لذا فإن القوى السياسية التي لا تتعلم من تجربتها غير قادرة على الحياة، وخصوصاً إذا كانت تحابي الجماهير، وتغازل آلامها كنوع من استثمار الألم باتجاه تصفية الحسابات مع النظام، أو بانتظار التربع على كاهل البلاد أوتوماتيكياً كنتيجة لرعونة النظام وليس كخيار للشعب كما قال عبد الرزاق عيد أحد فقهائهم...

ليس الغرض من هذا الكلام الدفاع عن الدستور، فكثير من قوى المعارضةالوطنية ناقشت عبر الإعلام مواد الدستور وتحفظت على بعضها مثل مدة الولاية للرئيس المحددة بـ7 سنوات والمادة الثالثة المتعلقة بدين رئيس الجمهورية، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أهمية أن تلغى المادة 8 من الدستور القائلة بأن حزب البعث قائد للدولة والمجتمع، وتحل محلها مجموعة مواد تؤسس للتعددية الديمقراطية «تتم ممارسة السلطة عبر الاقتراع»، وأن تتحدد عدد ولايات الرئاسة باثنتين، والعدالة الاجتماعية كهدف للحكومات المقبلة، وحق الإضراب عن العمل...ألخ، وحسب ما أفاد بعض المشاركين في لجنة صياغة الدستور، فإن الدستور الجديد ليس تعديلاً لمواد الدستور السابق، بل تمت صياغته بشكل كامل وجديد بالإستئناس بدساتير سورية السابقة وبعض الدساتير الأكثر تقدماً في العالم،والأهم من هذا أن الدستور ليس حالة عابرة بل هو سيبقى حاضراً على مدى عقود، لأنه خطوة باتجاه ولادة الفضاء السياسي الجديد، وهنا يظهر استهتار قوى المعارضة الأخرى بمستقبل سورية لحساب تحقيق انتصارات وهمية وصغيرة جارية...

إن دستور سورية الجديد هو ملك للسوريين جميعاً، وبما أن سورية بلد غني بتنوعه، لذا فمن الطبيعي أن لايحقق توافقاً مطلقاً لجميع الأطراف، بل يحقق توافقاً نسبياً، وهذه ليست سيئة من سيئاته كما يبدو للوهلة الأولى، بل هي ميزة فرضها الواقع السوري الغني، وتوازن قوى معين، لأنها تعلمنا الحوار والتوافق والتعايش والتضحية من أجل الآخر تعلمنا الديمقراطية الحقيقية.