الناس وانتخابات مجلس الشعب
يقترب موعد انتخابات مجلس الشعب والأزمة السورية تزداد تعقيداً، يشعر جزء كبير من الشعب السوري بعدم الثقة، يشعرون بالخذلان وبأن القوى المختلفة تحاول التكلم باسمهم فقط لكي تسرقهم وتزيد تهميشهم وعذاباتهم..
يتكرر مشهد الحملات الانتخابية البائسة مع تغييرات طفيفة، التجار إلى جانب بعض المستحاثات السياسية، شعارات من كل الألوان والأشكال والقياسات، شعارات فضفاضة ومقتضبة وفي كثير من الأحيان لا تعني شيئاً.. حياة سياسية غائبة لأكثر من خمسة عقود متتالية، وجهاز دولة استشرى فيه الفساد، خجلاً في البداية، ومن ثم وقحاً بطريقة مقززة..
وبعيداً عن الكلام العاطفي، فإن للناس كل الحق في أن تنظر غير مبالية للعملية الانتخابية بمجملها، فهي وبتجربتها الطويلة مع العملية الانتخابية اعتادت بؤسها وعدم جدواها، يضاف إلى ذلك حساسية الناس العالية من جهاز الدولة، الجهاز الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويأخذ «حصته»، الجهاز الذي يتغاضى عن تدخلات بعض رجال الأمن «الأوصياء» على الوطن بعنجهيتهم وجهلهم واستعلائهم، وأحياناً بغبائهم المطبق ضد أولئك الذين يحاولون التغيير، يكفي أن يروج جهاز الدولة للانتخابات حتى ينفر الناس.. وفي الحالة السورية فإن قانون الانتخابات الفاسد المعمول به حالياً، والذي يعطي أفضلية كبرى لجهاز الدولة ولقوى المال لتلعب بالعملية الانتخابية ولتجيرها لمصلحتها، يعطي مبرراً اضافياً لعدم الثقة.
والناس إذ تشعر بانعدام الثقة لأسباب تلمسها دون أن تصوغها، فإن الصياغة الناجزة جاءت في معالجة لينين للعملية الانتخابية باعتبارها إحدى أدوات التغيير، تعمل القوة السياسية الجذرية من خلالها على نشر خطها السياسي واجتذاب العناصر التقدمية من المجتمع، وتعمل من داخل البرلمان على تفعيل الحياة السياسية بنقل النضالات من مستواها المطلبي إلى مستواها السياسي، دون أية أوهام عن صدقية الانتخابات وديمقراطيتها، فالمهم في النهاية هو من يعد الأصوات..
العامل الأكثر أهمية في الحالة السورية الخاصة هو الحركة الشعبية.. عودة الناس إلى السياسة، طرح الأسئلة الكبرى من جديد، القدرة على التغيير، الأمل القادم.. عند هذا الحد تحمل العملية الانتخابية معنىً آخر، فمن جهة يحاول المستفيدون من الوضع السابق تقديم ايهام للناس بالتغيير لتفريغ احتقانهم مؤقتاً، ومن جهة أخرى يعمل أصحاب مبدأ «تداول السلطة» الذي يعني بالنسبة لهم تغيير السلطة الحالية للجلوس مكانها فوق الناس وبالسياسات نفسها، يعملون على الاستفادة من الثقة الغائبة لمقاطعة الانتخابات ولاغلاق الباب أمام الحل السياسي ليستمر الصراع بأشكاله العنفية على أمل التهام الكعكة كاملةً..
بين هذا وذاك تحاول الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير أن تحول الانتخابات إلى مدخل لعملية سياسية توقف نزيف الدماء، وتضع الصراع على سكته الحقيقية، الصراع بين الأغلبية الساحقة كمياً والمسحوقة عملياً، المفقرة والمهمشة، وبين الأقلية الفاسدة المتغطرسة، بين الناهبين والمنهوبين، ليبدأ الصراع الحقيقي وليتصاعد نحو الحل الحقيقي..
واهم من يعتقد أن الانتخابات القادمة ستقدم حلاً للأزمة الراهنة، أفضل ما يمكنها أن تقدمه هو أن تفتح الباب أمام العملية السياسية، أمام نضالات طويلة وصعبة..