استنفار فاشي لمنع تحالف دولي جديد!
يعكس التطور الأبرز الأخير، المتمثل بإسقاط تركيا المتعمد للطائرة الروسية، جملة من الحقائق المتعلقة بدور قوى الفاشية الجديدة على المستوى الدولي، والتي تصاعدت التحركات لإنهائها مؤخراً، بحافز من الدور الروسي الريادي في محاربتها، وما فرضه ذلك على الدول الغربية من استحقاقات للسير في هذا الاتجاه. وعليه يمكن إبراز جملة من الحقائق المرتبطة بهذا الحادث:
إن السياق العام الذي تجيء فيه هذه الضربة هو جملة الإجراءات التي تقوم بها المراكز الفاشية العالمية في محاولتها منع تبلور ميزان القوى الدولي الجديد، الذي فرض مؤخراً وقائع عديدة، في منطقتنا والعالم، ولا سيما وضع خطر (الإرهاب) على أولوية بحث القوى الدولية كافة، خاصة تلك التي كانت تتعامى عنه وتدعمه، وهو ما يعكس تراجع قوى الغرب الإمبريالي، وتقدم دور الدول المناهضة على الصعد كافة، المتمثلة بروسيا وحلفائها في «بريكس»، وغيرها.
كان من الطبيعي أن تستنفر قوى الفاشية الجديدة لمنع تشكيل تحالف دولي جديد بريادة روسية، والذي بُدئ العمل على صياغته مؤخراً، بما يُلزم الغرب بالانخراط الجدي فيه، الأمر الذي يشكل نقلة نوعية جديدة في محاربة الفاشية، وفي تجسيد الميزان الدولي الجديد ودفعه للأمام.
الاستفزاز التركي، بحكم رعونته، من جهة، وسجل تركيا الاستعماري السيئ مع دول جوارها، من جهة ثانية، لم يكن له أن يحظى بالتغطية و«المباركة» الشاملة التي كان ينشدها حتى من الحلفاء التقليديين، الذين تراوحت مواقفهم بين التنصل الرسمي وشبه الرسمي، وتبني الرواية التركية بحكم وجود تركيا في التحالف الأمريكي المزعوم لمواجهة داعش، حيث يأتي هذا التبني في سياق محاولات الغرب تحجيم الدور الروسي المتصاعد في المجالات كافة، ولاسيما في الانخراط الجدي والفاعل في مهمة مكافحة الإرهاب، التي أبقتها واشنطن وحلفاؤها أداةً لتصدير أزماتهم، وتفتيت العديد من بلدان العالم.
وعليه، لا ينبغي قراءة هذه الحادثة بأنها سلوك تركي مستقل، بل تنفيذ لقرار من القوى الفاشية في الغرب، تطويباً لمستوى جديد من درجة ارتباط سياسات حزب العدالة والتنمية مع مصالح الفاشية الجديدة، التي سهلّت له تحسين مواقعه البرلمانية، وبالتالي الحكومية، مؤخراً، مقابل مواصلته العمل، منذ قدومه للسلطة، على تمهيد أرضية كبيرة لتلك القوى الفاشية داخل تركيا وفي المنطقة.
إن جملة الإجراءات الطامحة إلى منع الروس وحلفائهم من التقدم، من جهة، ومن انتقال القوى العاقلة في العالم، طوعاً أو اضطراراً، إلى مرحلة توحيد القوى للقضاء على الإرهاب، من جهة أخرى، لم تفض حتى اللحظة إلا إلى إصرار الروس على تصعيد المواجهة مع القوى الفاشية وأدواتها، وذلك بغض النظر عن تصريحات الدعم السياسي الأمريكي المعلنة لأردوغان الذي يواصل «الصراخ التعبوي الشعبوي» بأنه «لن يعتذر عن إسقاط الطائرة» وهي ذاتها التي «لم نعلم أنها روسية»، وهو صراخ يحاول فيه التعمية عن تراجعه هو، وداعميه.
في المقابل، ومن بين جملة من إجراءات الرد الروسي الشامل على تركيا، تصعّد موسكو من هجماتها على أدوات الفاشية أكثر، ميدانياً ودبلوماسياً، بموازاة غذ السير نحو الحل السياسي للأزمة السورية، الذي سيفضي إلى تأريض دور القوى الإقليمية والأدوات الفاشية، عبر فتح الباب لمزيد من التنسيق الدولي لضرب الإرهاب، وهو ما بدأت تستجيب له قوى الغرب بحدود مختلفة، ما يشير بوضوح أيضاً إلى عدم فعالية تلك الإجراءات الهادفة لمنع تبلور الميزان الدولي الجديد. ويبدو أن تلك المحاولات سرعان ما تعطي مفاعيل عكسية، فترتد على أصحابها الذين سيكونون مضطرين للتنسيق مع الروس في الحرب الفعلية على الإرهاب مع مزيد من الالتزام بمتطلبات حل الأزمة السورية سياسياً.