الحكم بإعدام «الفاشية الجديدة»..!
شهد الأسبوعان الفائتان تسارعاً ملحوظاً في انخراط الأوروبيين في عملية «محاربة الإرهاب». تجسد ذلك بالخطوات الفرنسية والبريطانية، وما رافقها ووازاها من تصريحات دبلوماسية وإجراءات قانونية داخلية في دول أوروبية أخرى. كل ذلك، وإن بدا انعكاساً للتوتر الذي ساد الأجواء الدولية بعد إسقاط طائرة سوخوي الروسية، إلّا أن هذا التوتر ليس سببه الوحيد، إذ يعكس السلوك الأوروبي الجديد احتداماً في التناقض بين التيارين العالميين الفاشي و«العقلاني»، ويعكس في العمق صدور حكم إعدام دولي بحق «الفاشية الجديدة»، كانت قد أصدرته روسيا وبدأت بتنفيذه، وما تفعله الحكومات الغربية هذه الأيام هو الالتحاق به، دون أن يعني ذلك تخليها عن خصومتها مع القطب العالمي الجديد، أو تخليها عن مطامحها وأهدافها..
بالتوازي، فإنّ حكومة أردوغان بوصفها أهم الداعمين- بالأصالة والوكالة- للفاشية الجديدة، بدأت تتلقى صفعات موجعة من مختلف الأطراف، وبدأت تدخل طور تراجع ملحوظ، محمول شكلياً على قضية الطائرة الروسية، وكشف علاقاتها النفطية والتمويلية والتسليحية مع تنظيم داعش، ولكنه بالعمق يعكس الاضطرار العالمي لمواجهة الفاشية، بما تعنيه هذه المواجهة من احتمالات التضحية ببعض البيادق على اللوحة.
أما «داعش» ذاته فقد دخل أيضاً طور تراجع متسارع بحكم التضييق المستمر عليه في مسألة النفط والتمويل، ووضع مموليه تحت الضوء، وكل ذلك بوصفه الإجراءات الأولى ضمن حكم الإعدام الدولي.
إنّ ما روجت له بعض الأطراف المتضررة من مكافحة الفاشية بخصوص احتمال إرجاء الحل السياسي للأزمة السورية، عقب إسقاط الطائرة، إلى أجلٍ غير مسمى، لم يصمد كثيراً، فمسار فيينا لا يزال مفتوحاً، وها قد تم الإعلان عن اجتماع قادم محتمل كاستكمال له، في حال سارت الأمور كما يجب باتجاه تنفيذ قرارات فيينا الأخيرة، بما فيها وضع القوائم «السوداء»، أي التوافق على تحديد المنظمات الإرهابية، و«البيضاء»، أي تشكيل قوام الوفد المعارض المقابل للنظام، تشكيلاً صحيحاً، على طاولة الحل السياسي للأزمة السورية.
وإذا كان الطريق مفتوحاً، فهذا لا يعني عدم وجود معيقات، بما فيها محاولة بعض الأطراف الإقليمية تبييض بعض المنظمات الإرهابية السوداء، أو تجاوز قرارات فيينا والاستباق عليها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الانحياز السعودي المعروف لمصلحة بعض أطراف المعارضة السورية يجب أن لا يؤثر على طريقة تشكيل الاجتماع المعلن عن قرب انعقاده في السعودية لقوى وشخصيات هذه المعارضة، علماً بأن الاجتماع المذكور ينبغي أن يكون تحت إشراف الأمم المتحدة، ممثلة بالمبعوث الدولي إلى سورية، حسب توافقات فيينا، وهو معني بتشكيل الوفد السوري المعارض فقط، وليس بإنجاز توافقات سياسية فيما بين المجتمعين.
بالمحصلة، فإنّ مسار فيينا، المؤسس على بيان جنيف1، لا يزال مفتوحاً ولم يقف عن التقدم، وتوقيتات وقف إطلاق النار الشامل وبدء المفاوضات لا تزال مثبتة على بدايات العام القادم.
إنّ مجمل التطورات والظروف العالمية والإقليمية والمحلّية، تشير إلى أنّ المرحلة الانتقالية، اقتربت أكثر من أي وقت مضى. ولذلك فإنّ على الوطنيين على اختلاف مواقعهم تجهيز أنفسهم للانخراط في نضال وطني- سياسي واجتماعي واسع في المرحلة القريبة القادمة، وعليهم التجهيز لمهام المرحلة الانتقالية على أحسن الوجوه الممكنة، وبما يفتح الباب أمام انطلاقة جديدة أكثر نضجاً وتنظيماً للحركة الشعبية السلمية التي ستشكل الضمانة الوطنية الأساسية لتغيير وطني ديمقراطي جذري وعميق وشامل، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً، وبما يحفظ موقع سورية ودورها الوظيفي ووحدتها وسيادتها الوطنية الحقيقية، وبما يسمح بالإجهاز على الإرهاب بشكل نهائي.