جميل: المشكلة السورية معقدة وتحتاج إلى حل مركب

جميل: المشكلة السورية معقدة وتحتاج إلى حل مركب

 أجرت «صحيفة روسيا» يوم الأربعاء 18/11/2015 لقاءا خاصاً مع د.قدري جميل عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية، حيث تناول الحوار الذي أجراه الصحفي فلاديمير فاشينكو آخر تطورات المشهد السياسي والميداني ولا سيما الترابط بين مهمتي مكافحة الإرهاب والتوجه للحل السياسي.

تنشر قاسيون فيما يلي ترجمتها لهذا اللقاء كما نشرته الصحيفة.

 ترجمة حمزة منذر

«من يأكل قلوب الجنود لايمكن أن يكون جزءاً من الحوار»

هكذا قال أحد قادة المعارضة المعتدلة في سورية الدكتور قدري جميل لصحيفة «روسيا» حول الحوار بين القوى السياسية السورية.

منذ مدة قريبة التقيتم نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، هل لنا أن نعرف ماذا جرى في هذا اللقاء؟

نحن على تواصل دائم وفي هذه المرة تحدثنا عن محادثات فيينا التي توصلت إلى نتائج محددة حول تسوية الأزمة في سورية ولابد من الإشارة إلى أن الجهة الروسية معنية ومهتمة في إيجاد التنسيق بين المعارضة والنظام لتأمين نجاح التسوية السياسية في بلادنا.

مع أية معارضة يمكن إجراء الحوار بوجود المجموعات المسلحة وهي كثيرة وكيف يمكن التمييز بين الإرهابي وغير الإرهابي؟

يمكن اعتبار كل من يوافق على الحل السلمي ووقف إطلاق النار معارضة معتدلة هذا هو المقياس الأهم ،ولابد من الأخذ في عين الاعتبار أنه في مرحلة من مراحل الحرب لم يكن أمام السوريين من خيار إلا الحرب أو الحرب (شر البلية ما يضحك) حيث لم يكن مطروحاً آنذاك أي حل سياسي والناس كانت تبحث عن أي قوة تستطيع إنقاذهم وأسرهم، البعض ذهب إلى داعش مع أن هؤلاء في حقيقتهم هم ضد الدولة الإسلامية داعش ونحن الآن أمام حالة معينة إما أن نقضي على كل من انتمى إلى داعش بدون استثناء وهذا غير ممكن تقريباً أو البحث عن طرق تفضي إلى تقسيم وتفكيك داعش وليكن ذلك في صيغة الجيش الحر الذي قال عنه لافروف أن بإمكانه الاشتراك في العملية السياسية. إن ذلك قد يمثل طريق الخلاص للكثير من السوريين من إيديولوجيا داعش وإذا استطاع الجيش الحر بالفعل الانضمام إلى تحالف القوى التي تقاتل داعش يمكن إيجاد لغة مشتركة بيننا لأن المشكلة السورية معقدة إلى درجة تحتاج إلى حل مركب.

أحد أعضاء الجيش الحر «الحمد» تناول قلب أحد الجنود السوريين أمام الكاميرا، هل يمكن إجراء حوار مع مثل هؤلاء؟

إن من يأكل قلوب الجنود لا يمكن أن يكون جزءاً من الحوار أو اللقاء معه، هناك من ذهب إلى القتال ضد الحكومة تحت أسباب وظروف يعتقدونها موضوعية والآن لابد من إجراء اصطفافات جديدة لكل القوى العاقلة والسليمة في النظام والمعارضة ضد هذا الشر المتمثل بـ «داعش» عدو الإنسانية.

ها أنتم تؤيدوون العملية العسكرية الروسية في سورية ولكن خصومكم السياسيين في المعارضة ومنهم قائد الإئتلاف خالد خوجة يسمون العمليات الجوية الروسية احتلالاً

إنها مرحلة انتقالية مؤقتة عندما ستشكل حكومة انتقالية لمدة سنة و نصف علينا تحمل بعضنا البعض لانقاذ سورية و بعدها عندما سنحتكم لصناديق الاقتراع عندها سنرى من هذا ومن ذاك و ماذا يمثل فعليا

كنت دائماً أقول إذا لم نستطع الآن وقف العمليات السلبية وسفك الدماء في سورية لن يكون لنا فيما بعد ما نتجادل عليه لأن سورية لن تكون موجودة عند ذاك.

أمامنا الآن قضيتان ملحتان :معالجة الكارثة الإنسانية الثقيلة ومواجهة الدولة الإسلامية «داعش».

ليس من الأخلاق النقاش حول من سيكون الرئيس ومن سيكون رئيس الوزراء في الوقت الذي فيه أكثر من نصف الشعب السوري قد تحول إلى لاجئيين.

أما حول العملية الروسية في سورية فإنني أؤيدها وهي لم تبدأ إلا بعد أن أصبحت الدولة الإسلامية على مقربة من دمشق و تهدد وجودها.

ما هي الأسباب العامة برأيكم التي أدت إلى هذه الحرب في سورية؟

بعض أنصار النظام لدينا يحبون نظرية المؤامرة ويعتبرون أنها بدأت في آذار 2011. أنا لست ضد نظرية المؤامرة من حيث المبدأ ولكن تعالوا نكشف الحقيقة حتى النهاية:

بدأت المرحلة الأولى من المؤامرة في عام 2005 عندما بدأت عملية اللبرلة للاقتصاد السوري والتي كان من نتائجها إفقار الناس وارتفاع مستوى البطالة حيث تحول قسم كبير من هؤلاء المتضررين إلى قاعدة اجتماعية حاضنة لما يسمى بالثورة الإسلامية ببساطة استطاع الإسلاميون المتطرفون أن يوجهوا هؤلاء باتجاه محدد وكذلك تأمين السلاح والمال لهم وفيما بعد في العام 2008 حصراً بدأت مرحلة الغزل بين النظام وكلٍ من النظاميين التركي والقطري وتحت ضغطهما بدأت في سورية عملية تغيير القوانين بما فيها النظام السياسي كما بدأت قنواتهم التلفزيونية ( الجزيرة نموذجاً) يهيؤن التربة الإيديولوجية للأزمة.

أصبح من المتداول اليوم مقارنة داعش في سورية والعراق بالفاشية داخل ألمانيا في أعوام الثلاثينيات من القرن الماضي.

إنكم على معرفة جيدة بأعضاء حزب البعث الحاكم في سورية، هل تعتقدون بأن لهم مستقبلاً سياسياً في سورية؟

إن الغالبية الساحقة من البعثيين لا مصلحة لهم باستمرار نزيف الدماء وهم غير مرتبطين بالفساد وعلى العكس من ذلك فإن الحرب انعكست عليهم سلبياً لأقصى درجة، إنهم سيكونون شركاء في بناء سورية المستقبلية مع كل الشرفاء ممثلي المعارضة الوطنية.

ما هو المستقبل السياسي للرئيس الأسد؟

إن هذا المستقبل يرتبط بعاملين: الأول هو الأسد نفسه والثاني الشعب السوري. فبعد التسوية السياسية لابد من إجراء انتخابات.

أنت كمستمر في حمل الأفكار اليسارية هل تعتقد أن هناك مكان في سورية للإيديولوجية اليسارية؟

أعتقد أن هذه الأيديولوجية هي من سيكون لها المكان الأساس في سورية. ليس هناك لدى القوميين الآن برنامج واضح يمكن تقديمه للشعب، فهم يعيشون بالفترة الأخيرة على انتصارات سياسية سابقة بدأت بنهاية بفترة الخمسينيات كما لا يوجد لدى الإسلاميين المتطرفين برنامج سوى ما هو موجود عند داعش وأنتم على دراية بجوهر ذلك البرنامج. إنهم يريدون بناء دولة الخلافة من باكستان حتى إسبانيا، وسورية بالنسبة لهم ليست سوى حطب لهذه «الثورة» وهنا أود الإشارة إلى وجود قواسم مشتركة تجمع بين الدواعش الآن و التروتسكيين خلال فترة تأسيس الاتحاد السوفيتي، أما اليساريون عندنا فقد صاغوا برنامج عمل لسنوات طويلة لاحقة ومن هنا يمكن القول إن لدينا ما يمكن تقديمه لشعبنا في سورية.

بعد الوصول إلى هدنة وإجراء انتخابات، ما الذي يجب فعله كأولوية في سورية بعد كل ذلك؟

لابد من الوصول إلى هدفين مترابطين و رئيسيين في سورية. الأول: نمو اقتصادي عالٍ لا يقل عن نسبة 15% سنوياً بعد هذه الحرب وكل هذا الدمار، والثاني خطوات واقعية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، والتي بغيابها سنوات عديدة كانت سبباً للحرب.

كانت لدينا في السابق فترة سادت فيها الأفكار الليبرالية التضليلية التي وضعت السوريين أمام خيارين: إما نمو اقتصادي أو عدالة اجتماعية، وحاولوا إقناع الناس باستحالة تحقيق الهدفين معاً، أما نحن فكنا نقول إن هذا ممكن، وأثبتنا كيف يمكن تحقيقهما معاً وبالوقت ذاته.

ماذا تقولون عن تجربة الأكراد السوريين الذين أوجدوا لأنفسهم نظام الإدارة الذاتية في شمال سورية؟ وهل سيكون هناك ضرورة للفدرلة؟

إن ما يحدث في شمال سورية في الحسكة هو تجربة تلفت الانتباه وجديرة بالدراسة، ويمكن الاستفادة منها لاحقاً عند وضع الإصلاحات الدستورية، وهنا يجب الإشارة إلى أنه ليس الأكراد فقط أقاموا الإدارة الذاتية فهناك أيضاً العرب والسريان الذين وصلوا إلى لغة مشتركة فيما بينهم وأوجدوا أداة للإدارة حيث يعيشون، وقد حدث كل ذلك لأن دمشق في الظروف المستجدة لم تكن قادرة على إدارة هذا القسم من البلاد، ولكن لا يجوز تسمية العملية بالفدرلة كتلك التي جرت في العراق ولم تكن في صالحه ككل، إن ما يحدث في شمال سورية يمكنني ان أسميه مجازاً إدارة ذاتية ديمقراطية ومن الضروري أن نتحدث عن هذا لاحقاً عندما نضع الدستور الجديد بناءً على توافقات بيننا.

هناك من يسمون ما يحدث في سورية حرباً طائفية هل توافقون على ذلك؟

التناقضات الدينية لا تمثل إلا الشكل فقط بينما نجد أن قاطعي الرؤوس والفاسدين موجودون في كل المعسكرات المتحاربة. إن جوهر ما يجري في سورية هو مسألة اجتماعية.

• يعتقد نائب رئيس الوزراء السوري السابق د. قدري جميل بضرورة توحيد جهود المعارضة وأنصار الرئيس الأسد ضد داعش ثم الولوج في الإصلاح الدستوري.

• د.جميل يؤكد وجود أفق أفضل للقوى السياسية اليسارية في المرحلة اللاحقة كما يمكن أن يتضمن الدستور الجديد مبدأ الإدارة الذاتية (اللامركزية).

• د. قدري جميل الذي شغل حتى فترة ليست ببعيدة منصب نائب رئيس مجلس الوزراء كان يعبر دائماً ومنذ بداية الحرب الأهلية (بداية الأزمة) بضرورة الحل السياسي وقيام حكومة وحدة وطنية يشترك فيها ممثلو المعارضة والموالاة.

• تجب الإشارة أن د. قدري جميل على معرفة بقيادات حزب البعث العربي الاشتراكي مثلما أيضاً يعرف الساسة الروس وقادة الرأي العام الروسي.

• تخرج من جامعة لومونوسوف الحكومية في موسكو، يتحدث اللغة الروسية بطلاقة ويحمل أفكاراً يسارية وفي الوقت الراهن يشغل منصباً قيادياً في جبهة التغيير والتحرير

نقلاً عن «صحيفة روسية»