أحصنة واشنطن العسكرية قيد «التسريح»..!
تثبيت ميزان القوى الدولي الجديد، وترجمته اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، هو في الجوهر عملية تغيير للنظام العالمي القائم على الأحادية الأمريكية. وهذا يعني ضمناً تراجع واشنطن وحلفائها بمقابل تقدم خصومهم. عملية التراجع هذه تشكل الحاكم العام لمسار التطورات والتغيرات على المستويات المختلفة، الدولية والإقليمية والمحلية. القول بأنها الحاكم العام للمسار يعني أنّ مختلف «الشطحات» والتصورات والآمال لدى أية قوة محلية أو إقليمية يجري عملياً تقليمها وتشذيبها لتبقى ضمن هذا المسار.
يجد الكلام السابق جزءاً من ترجماته الملموسة في الخطوط العامة التالية:
أولاً: إنّ كل حديث عن تغيرات في مواقف الروس والصينيين، عموماً وفي الأزمة السورية خصوصاً، ليس إلا ذراً للرماد في العيون يقصد منه تغطية عمليات التراجع الأمريكي المستمرة وتبرير عمليات تخلي الأمريكي عن حلفائه والتي بدأ ظهورها للعلن في «كامب ديفيد» الخليجي، وستتسارع أكثر مع الوقت لتشمل الحلفاء العلنيين وغير العلنيين.
ثانياً: إنّ كل اقتراب إضافي من عملية تثبيت ميزان القوى الدولي الجديد يعني تخبطاً أو «نوساناً» أسرع حول المسار العام ذاته، في المواقف الإقليمية ونتائج تلك المواقف، وخصوصاً من جانب حلفاء واشنطن. أي أنّ جزءاً هاماً من «حزم» حلفاء واشنطن، وأنصار العسكرة، لا يعدو كونه هذياناً وشطحاً خارج المسار العام سرعان ما سيتم تشذيبه.
ثالثاً: الاتجاه العام لمختلف الأزمات والحرائق التي أسهمت واشنطن وحلفاؤها بإشعالها وتأجيجها هو الذهاب الإجباري نحو حلول سياسية، وكلّ تأخير إضافي في تحقيق هذا الاتجاه يعني اضطرار واشنطن وحلفائها لتقديم مزيد من التنازلات، هذا ما يظهر واضحاً تماماً في الملف النووي الإيراني، والأزمة الأوكرانية، والأزمة اليمنية، وهو ما سيتجلى بشكل أوضح في فترات غير بعيدة، في سورية والعراق ومصر وحتى في تركيا والسعودية.
رابعاً: لما كان الاتجاه العام هو اتجاه الحلول السياسية، فإنّ التراجع الموضوعي لوزن العسكرة لن يقف عند حدود تغيير السياسيات، بل سيتجاوز ذلك إلى تغيير الأدوات نفسها. ما يعني أنّ أولئك الذين راهنوا على أن يعملوا جياداً عسكرية لدى «الأمريكي» سرعان ما سيتم تنسيقهم واستبدالهم وإخراجهم من اللوحة نهائياً، لمصلحة قوى وشخصيات أخرى، وهذا الأمر يشمل لا الحلفاء الإقليميين فقط، بل وأيضاً حلفاء وأنصار واشنطن وحلولها العسكرية المحليين جميعهم. وهذا يشمل في سورية أنصار العسكرة من مختلف الجهات والأطراف، بمن فيهم أولئك الموجودين ضمن جهاز الدولة، من قوى الليبرالية والفساد الكبير.
خامساً: إنّ الاتجاه العام نحو الحلول السياسية التي تستند إلى وقف التدخلات الخارجية، ووقف العنف، وإطلاق العملية السياسية، يتناقض في جوهره مع مقولة «تحسين الشروط» التي تستند إلى العنف عملياً. ولذلك فإنّ التطمينات المختلفة، والأمريكية أساساً، التي تتلقاها الأطراف الساعية إلى «تحسين شروطها»، ليست إلا إيغالاً أمريكياً في استنفاد أدوات سرعان ما سيجري رميها جانباً واستبدالها.
إنّ فهم الإطار العام الحاكم لمسار الأحداث يكتسب أهمية إضافية عند الشعب السوري الذي يتعرض هذه الأيام لمختلف أنواع محاولات التضليل والتيئيس، وذلك في الوقت الذي ينبغي له أن ينشط فيه ويحضر عدته ومطالبه وبرامجه وتصوراته لبلده، ليناضل من أجلها، وليفرضها على جميع القوى التي تلاعبت بدمه وبقوته عبر سنوات طويلة.