متطلبات إنجاح «موسكو»
تنطلق جلسات الجولة الثانية من اجتماع موسكو التشاوري يوم الاثنين المقبل بحضور أوسع قياساً بالجولة الأولى، وبتمثيل للمبعوث الدولي، وممثل عن مصر، حسب بعض المصادر، وبجدول أعمال واضح تقوم الجهة الراعية بإنضاجه بالتنسيق مع المشاركين. هذا كله، يعطي للجولة الجديدة من موسكو زخماً إضافياً، ويعقد عليها آمالاً أكبر، بأن تحقق المطلوب منها، والذي يمكن تكثيفه بالتالي:
• تكريس وحدانية الحل السياسي، حلاً لا بديل عنه للأزمة السورية، في قطعٍ نهائي مع أوهام «الحسم» و«الإسقاط»، وتثبيت «أساسية» هذا الحل باعتباره المنصة الرئيسية لمحاربة الإرهاب، بما يعني ترابط وتلازم وتزامن المهام الثلاث: إيقاف الكارثة الانسانية، محاربة الإرهاب، والتغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل اقتصادياً- اجتماعياً وسياسياً.
• بلورة خطوات ملموسة في إطار عمليات بناء الثقة المطلوبة على نحو متبادل بين النظام والمعارضة، وعلى رأسها مسائل وقف قصف المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين وتبيان وضع المفقودين، وتفعيل عمليات الإغاثة الإنسانية الفورية وعدم تسييسها.
• دفع الحل السياسي خطوة إضافية إلى الأمام عبر استكمال إصلاح أخطاء «جنيف-2»، سواء لجهة تمثيل المعارضة أو التمثيل الإقليمي، وبحث أية التباسات تخص بيان جنيف1، بهدف تقريب وجهات النظر حولها، من أجل تقريب انعقاد «جنيف-3».
• تثبيت فكرة التنازلات المتبادلة التي تصب في مصلحة الشعب السوري كمبدأ أساسي في عمليات الحوار والتفاوض القادمة، وذلك بعيداً عن التشدد والتسلط اللذين أسهما حتى الآن بإحراق البلد وشعبها، يداً بيد مع الأعداء الخارجيين وفي مقدمتهم واشنطن، بما ينال من استمرار سورية ووحدتها، أرضاً وشعباً، وسيادتها الوطنية.
إنّ التراجع الأمريكي المستمر والمتسارع الذي تثبته وقائع الحياة المختلفة، الاقتصادية، والسياسية، وحتى العسكرية، إذ ينذر بتشديد وتوسيع الحرائق التي تفتعلها واشنطن، وينذر بتوسّع الفاشية الجديدة، فإنّه وفي مقابل ذلك يقدم فرصة هامة وإمكانية واقعية في إطفاء تلك الحرائق وبمنع حدوثها. وهو ما يثبت الحلول السياسية ويكرسها واقعاً، ليس بوصفها ضرورات وطنية فقط، بل وبوصفها ضرورات على المستوى الإقليمي والدولي.
إنّ المناخ العام الذي يفرضه الميزان الدولي الجديد بتسارع متزايد، هو مناخ الحلول السياسية، وإنّ الإعلان عن إنجاز الاتفاق الإطاري حول حل الملف النووي الإيراني لا يخرج عن هذا السياق. بل وإنّ هذا التوقيع يثبت إضافة إلى ما سبق، أنّ أعقد المشكلات قابلة للحل في إطار التوازن الجديد، وأولى بالسوريين أنّ يغتنموا هذا المناخ لحل مشكلتهم وألاّ يحولونه إلى فرصة ضائعة أخرى.
يرتب اجتماع موسكو القادم- ضمن المناخ الدولي القائم- على جميع القوى والأطراف السورية المشاركة مسؤوليات وطنية كبرى، فما من ذريعة اليوم لدى أي طرف من الأطراف ليلعب دوراً سلبياً أو معطلاً. وإنّ تلك الجهات التي قد تعمل على التعطيل ستتحمل مسؤولياتها كاملةً، وستخرج من سياق الحل السياسي سريعاً، أياً كان طرف الطاولة الذي ستجلس عليه في مشاورات موسكو. فالحلّ السياسي ماضٍ إلى الأمام، وفي حال توافر حسن النوايا وروح المسؤولية الوطنية العالية تجاه آلام السوريين لدى كل المعنيين باجتماع موسكو، فإن المؤشرات جميعها، وعلى رأسها مؤشرات الوضع الدولي، تؤكد على أنّ اجتماع موسكو من شأنه التمهيد لـ«جنيف-3»، ربما بوتيرة أسرع بكثير مما يظنه البعض.