الإرهاب الاقتصادي- الاجتماعي
يتابع الخط البياني لقيمة الليرة السورية «أحد مظاهر السيادة الوطنية» السير ضمن ميله العام المنحدر، موسعاً من دائرة ضحايا الأزمة السورية. أكثر الإحصاءات تفاؤلاً تحدثت قبل أكثر من سنة عن تراجع الناتج الإجمالي المحلي إلى نصف ما كان عليه قبل الأزمة، وصمتت..! ووضع هذا الناتج الآن أسوأ بكثير مما كان عليه حينها، مضافاً إليه بضعة عناوين لا أكثر:
90% من السوريين تحت خط الفقر المطلق حسب الأمم المتحدة، وهو رقم لا يبتعد عن واقع الأمور كثيراً، وخاصة بمقارنته مع حد الفقر الأدنى الذي قدرته «قاسيون» بحوالي 68 ألف ليرة شهرياً لأسرة من خمسة أشخاص.
الخصخصة التي وصفتها افتتاحيات «قاسيون» عام 2005 بأنها «أعلى مراحل الفساد» وبأنها «سلاح دمار شامل» لا تزال تتضخم وتعيث في البلد فساداً وخراباً فوق خرابه.
الليبرالية: «دع الأغنياء يغتنون فهم قاطرة النمو»، لا تزال خطة العمل الوحيدة التي تنتهجها الحكومات السورية المتعاقبة.
الفساد الكبير الخارج تاريخياً وتعاقبياً عن أية مسائلة أو ملاحقة توسع من سرقة المال العام والإتجار والإثراء بوساطته إلى الإثراء بوساطة الأزمة وإدامتها.
ظاهرة اللجوء تتضخم باطراد، وإن كانت قد بدأت تحت ضغط الصراع المسلح واستمرت باستمراره فإنها اتسعت منذ سنة على الأقل لتشمل نوعاً جديداً هو اللجوء تحت ضغط الوضع المعيشي المتفاقم وانغلاق الآفاق وتحديداً أمام الشريحة الشابة، بما يؤدي في المحصلة إلى إفراغ البلد من سكانها تباعاً، ومن قواها الأكثر حيوية وأهمية..
إنّ استمرار السياسات نفسها عبر الحكومات والظروف المتعاقبة التي مرّ بها البلد خلال العقد الماضي، باتت في ظل استمرار وتفاقم الأزمة الراهنة تشكل أحد أبرز مصادر تهديد استمرار الدولة السورية ذاتها. وإن هذا الاستمرار يظهّر حقيقة لا مراء فيها، وهي أنّ المسؤولية الأساسية عن هذه السياسات ليست فقط مسؤولية هذه الحكومة أو تلك، هذا المسؤول أو ذاك، بل هي مسؤولية النظام السياسي- الاقتصادي الرأسمالي الذي يسود البلاد. فالسياسة هي تكثيف المصالح الاقتصادية المتناقضة، والنظام في سورية بارك سياسة «دع الأغنياء يغتنون»- التي تجد تتمتها في: «دع الفقراء يدفعون الثمن»- ولا يزال يباركها ويدعمها..
إنّ ما يثبته الجوهر الاقتصادي للسياسات الحكومية والمنحاز لمصلحة الأغنياء، وما تثبته وقائع الأزمة الوطنية العميقة التي تعيشها سورية، هو أنّ حلّ الأزمات الاقتصادية المتراكمة ليس اقتصادياً بحتاً بل سياسياً قبل كل شيء، وأنّ كل ما يساق من وعود وخطط اقتصادية، بما فيها «مخططات» إعادة الإعمار، ليست إلّا هذراً لا مكان له بغير حل سياسي حقيقي يفتح الباب نحو التغيير الوطني الجذري العميق والشامل، سياسياً، واقتصادياً- اجتماعياً، وديمقراطياً.. تغيير يصب في مصلحة الأغلبية المسحوقة من السوريين «معارضين وموالين»، التي دفعت كلّ شيء قبل الأزمة وخلالها ولم تقبض سوى الوعود، في حين حوّل فاسدو الطرفين دمها واعتقالها وخطفها وتشردها وتهجيرها وبيوتها المهدمة وفقرها إلى تجارة يربحون منها ويزاودون بها باسم «الوطنية وضرورات المواجهة» تارةً وباسم «الثورة والانتقام للشعب» تارةً أخرى.
إنّ النضال من أجل الحل السياسي، هو نضال لرفع صوت الشعب السوري فوق رصاص ومعتقلات مضطهديه الداخليين والخارجيين، وهو نضال للحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً عبر توحيد الطبقات المظلومة في مواجهة الفساد وإرهابه الاقتصادي، وفي مواجهة واشنطن وحلفائها وإرهابهم «الداعشي». إنّ النضال من أجل الحل السياسي هو نضال كل الوطنيين السوريين أياً كانت مواقعهم.