حلب: «الحسم» و«التقسيم» و«التجميد» وأشياء أخرى..!

حلب: «الحسم» و«التقسيم» و«التجميد» وأشياء أخرى..!

تلاقي مبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حول تجميد النزاع في مدينة حلب ترحيباً، شكلياً على الأقل، من أطراف متعددة. رغم ذلك فإن من بين «الأطراف المرحبة» من يعمل ليل نهار، على الأرض وفي الإعلام، لتأريض تلك المبادرة ومنعها من التحول إلى واقع، وذلك تحت ذرائع وحجج متعددة.. 

قبل كل شيء ينبغي التذكير بالنقاط الثلاث التي تضمنتها مبادرة المبعوث وهي: (أولاً، تجميد النزاع بما يعني وقف العمليات القتالية وتجميد الوضع اللوجستي على وضعه الراهن والتزام الأطراف بعدم خرق هذه النقطة. ثانياً، إمكانية تنقل المدنيين وإيصال الإغاثة والبدء بتدوير عجلة الاقتصاد وصولاً إلى عودة الحياة الطبيعية للمدينة. ثالثاً، فتح الأفق السياسي). وإذا كان من الممكن أن يفهم من الأعمال العسكرية على الأرض محاولات تحسين الشروط قبل الذهاب إلى تجميد النزاع، فإنّ التصريحات الإعلامية للمتشددين في النظام وفي المعارضة توحي بنوايا ثابتة باتجاه إفشال المبادرة..
«تطويق حلب»
ينطلق بعض المتشددين في الموالاة من مقولة «تطويق حلب» الذي بات «قاب قوسين أو أدنى»، ليخرجوا بالنتيجة القائلة بأن مبادرة دي مستورا لا مكان لها على الأرض، وأكثر من ذلك فهي مبادرة تحاول خدمة «المعارضة المندحرة». إنّ الاستناد إلى إمكانية تطويق حلب للقول بعدم جدوى أو ضرورة تجميد النزاع في حلب أو في غيرها، يسقط من الحساب حقيقة أكدتها الحياة بدماء السوريين خلال ما يقرب من أربع سنوات، حقيقة أنّ لا حسم عسكرياً للصراع في سورية، وأنّ لا حلول سوى الحل السياسي، ذلك أنّ تطويقاً نهائياً وثابتاً لحلب لا يتعلق بقوة الجيش العربي السوري، بل يتعلق بالحدود المفتوحة وبموضوعة الاستنزاف، فطوق واسع حول مدينة مثل حلب يعني استمرار القتال إلى أجل غير مسمى سعياً لكسر ذلك الطوق، إن لم يكن فوق الأرض، فتحتها. بالمحصلة فإنّ أولئك الذين يدّعون الاستناد إلى قوة الجيش العربي السوري في المعركة يتسببون برفع معدلات استنزافه، ويحاولون استخدامه درعاً يختبؤون وراءه ويخبؤون طروحاتهم السياسية ونواياهم العميقة.. 
«التقسيم»
يستخدم المتشددون أنفسهم ذريعة أخرى للعمل ضد المبادرة، "الخوف من التقسيم". إذا كان تجميد النزاع، على حد ادعاءاتهم، يوفر ظروف التقسيم، فهل يحجب استمرار القتال شبح التقسيم؟!. إنّ تفكيراً عقلانياً هادئاُ، ووطنياً، لا بد له أن يوصل إلى قناعة بأنّ استمرار القتال يؤمن أفضل الظروف الممكنة لعملية التقسيم، هذا ما يسميه الوطنيون السوريين بالاستنزاف، وهذا ما حذر منه المسؤولون الروس باستمرار وبكثافة متصاعدة في الفترة الأخيرة، حين قرنوا استمرار القتال بشبح التقسيم، الروس الذين بدأت أوساط متشددة محسوبة على الموالاة بالهجوم على مواقفهم وطروحاتهم! وهو أمر نتوقع تصاعده كلما اقترب الحل السياسي واستحقاقات هذا الحل.
«تحرير حلب»
تعيد الأطراف المتشددة في المقلب الآخر الكرة إلى متشددي الموالاة، في لعبة مستمرة منذ سنوات، فيبثون الروح بمقولات «الاسقاط»، ويصورون مبادرة دي مستورا باعتبارها تحيزاً للنظام وانتصاراً له، ويحاولون تعبئة الناس بهذا الاتجاه، وذلك تحت الزعم المستمر بأنّ «تحرير حلب» قريب، في مقابل اقتراب اكتمال «الطوق»..
«الدور التركي»
إنّ رداءة وقذارة الدور التركي أمر لا يحتاج إلى نقاش، لكن الاستناد إلى رداءة هذا الدور و«التخوف منه» تتعارض مع إعاقة مبادرة التجميد، فهذه الأخيرة تتطلب إجباراً دولياً لتركيا لإغلاق حدودها مع سورية وإيقاف اعتداءاتها المختلفة، وهي فرصة نادرة يسمح الميزان الدولي الراهن بتحقيقها، وبخاصة الترتيبات الروسية بهذا الشأن، ولا يحق لأحد تضييعها بذريعة التخوف من الدور التركي! أي أن أولئك المتخوفين من الدور التركي إنما يخافون في العمق من إمكانية وقف هذا الدور لأنّ من شأن ذلك أنّ «يسد الذرائع» ويفتح الأفق باتجاه الحل السياسي الحقيقي.
«الحل السياسي»
ليس خافياً على أحد الارتباط بين مبادرة دي مستورا والأجواء التي تشيعها الجهود الروسية في المنطقة وفي العالم، بحيث تبدو مبادرة حلب على أهميتها جزئية ضمن الجهد العام الساعي إلى إحياء مسار الحل السياسي، الأمر الذي يجعل المتشددين يأملون بتفشيل الجهد الروسي من خلال إعاقة مبادرة حلب، الأمر الذي لن ينجح حتى وإن فشلت مبادرة حلب. بالنسبة لهؤلاء فإنّ ما يطربهم هو صوت القتال، وما يرعبهم هو الهدوء الذي يفتح الأفق ليضج بصوت الناس ومطالبهم، فالطرفان المتشددان إلى جانب تجار الحروب من مختلف الأشكال والألوان، وقبلهم أعداء سورية والشعب السوري من «واشنطن» وداعشييها إلى معظم دول الخليج إلى «إسرائيل»، يرتعدون من إمكانية تعبير السوريين عن آرائهم ومكنوناتهم، ذلك أنّ الأغلبية المسحوقة من السوريين لم تغير موقفها المعادي لواشنطن وحلفائها، ولم تبدل رغبتها وحاجتها العميقة لمحاربة الفساد الكبير ولتحقيق التغيير الجذري الشامل الذي تستحقه سورية ويستحقه السوريون، والذي لم يعد من الممكن لسورية أن تستمر موحدة أرضاً شعباً دون تحقيقه.
إنّ الادعاءات الفارغة بإمكانية «الحسم» أو «الإسقاط» أو باقترابهما، إنما هي تبطر على الدم السوري المهدور، وهي فوق ذلك تهدد بالتقسيم وبالانهيار، وتشي بانعدام المسؤولية الوطنية. إنّ السعي الجاد باتجاه إنجاح مبادرة المبعوث الدولي وباتجاه إحياء مسار الحل السياسي لم يعد «عمل خير» يمن به هذا الطرف أو ذاك، هذا السياسي أو ذاك، بل غدا واجباً وطنياً مصيرياً لا يقبل التأجيل..