آخر صيحة: «التشكيك» بروسيا كراع للحل!
في إطار سعيها للهروب من استحقاق الحل السياسي، تسعى العديد من الأطراف في المعارضة والموالاة إلى التشكيك في مقدرة موسكو على لعب دور الراعي لإعادة إحياء مسار الحل السياسي على أساس بيان «جنيف-1»
مع كل انتعاش لمسار الحل السياسي للأزمة السورية، تصدر ذرائع كثيرة عن القوى المعادية له، أو عن تلك القوى في المعارضة التي تسعى إلى تفصيل ذلك الحل على مقاس الوزن الذي تريده لها في العملية السياسية اللاحقة. تساق تلك الذرائع للتشكيك أولاً في إمكانية الحل، وتالياً في صدقية بقية الأطراف بالموافقة عليه والذهاب إلى الحوار، أو في توفّر ظروف نجاحه، أو في رعاته. هذا الأمر ظهر مجدّداً مع بداية التصريحات والتحركات الروسية لإعادة إحياء مسار الحل السياسي، من خلال العمل على إطلاق حوار بين الحكومة والمعارضة في العاصمة الروسية على قاعدة «جنيف-1»..
«مبدئية» زائفة!..
بعد اتضاح جديّة المساعي الروسية، وسيرها بثبات نحو إنجاح ذلك الحوار، بدأ العديد من القوى المذكورة بالتشكيك بقدرة موسكو على رعاية مثل هذا الجهد، وذلك من خلال سوق حجج مختلفة، تصب كلّها في الاتجاه نفسه: «لن ينجح جهد تديره موسكو لحل الأزمة السورية». أحد تلك الأصوات في المعارضة ينطلق من فكرة مفادها أن «موسكو كانت حليفاً لأحد الأطراف في الأزمة (النظام)»، الأمر الذي لا يخوّلها بلعب دور الراعي «النزيه» في إدارة الحوار، وأن ما ينبغي العمل عليه هو «إيجاد طرف نزيه تتوفّر فيه مقومات رعاية الحل»، وبحسب هذا الطرح، فمواصفات الراعي قد تتوفر بـ«دولة عربية وازنة إقليمياً، لم تتورّط في الصراع!..». يتعمّد هذا الطرح أن يرتدي لبوس «المبدئية»- التي تأتي نافرة في سلسلة من المواقف أقل ما يقال عنها إنها «براغماتية» على طول الخط- متناسياً أن الروس لعبوا دوراً حاسماً في مجلس الأمن في منع عدوان أمريكي متوحش على البلاد، فضلاً عن كونهم سعوا إلى بناء علاقة متوازنة مع مختلف الأطراف السورية على أساس الوصول إلى الحل السياسي، الأمر الذي يثمر اليوم جهداً جديّاً باتجاه إحياء هذا المسار. لكنّ الأهم من ذلك، حريٌّ بتلك «المبدئية» أن تتركز حول الوصول سريعاً إلى حل يوقف الكارثة الإنسانية التي يعانيها الشعب السوري، بدلاً من البحث عن مواصفات «أخلاقية» للراعي بما يهدف بالجوهر إلى تصيّد مواقع أفضل في عملية الحوار المرتقبة.
الحل السياسي «مخاطرة»!..
تلتقي أصوات أخرى، معارضة وموالية، على فكرة أن روسيا تسعى من خلال جهدها الأخير إلى القيام بمناورة تجاه الأمريكيين، ما يجعل من كل هذه المفاوضات «ضرورة روسية أكثر من كونها سورية»، و«أن روسيا تخاطر بالحديث عن حل للأزمة السورية»، «وتقامر» في تحليلات أخرى. يصدّق هؤلاء المزاعم الأمريكية التي تقول إن روسيا تعاني «عزلة» بنتيجة الحصار الغربي المفروض عليها، وهم بذلك لا يقرؤون التوازن الدولي الجديد الذي تتراجع فيه الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة أزمتها، فيما تتزايد الأوزان المقابلة لها، روسيا والصين، هم لا يقرؤون ذلك، برغم انعكاس ذلك التوازن في الأزمة السورية ذاتها من خلال التصدي لواشنطن في تنفيذ رسمتها على «الطريقة الليبية». وينكر هؤلاء حقيقة أن الحل السياسي للأزمة السورية كان قد نضج منذ العام الأول من عمرها، وأن إمساك واشنطن بملف «توحيد المعارضة» و«رعايتها» كان قد لعب دوراً أساسياً في إفشال الحل السياسي للأزمة السورية، وأن هذا الإفشال هو الذي ساهم فعلياً في انتقال زمام المبادرة إلى موسكو لتحل المهام التي سعت واشنطن لإفشالها.
«عقلانية» بلا حدود..
ومن باب «العقلانية السياسية»، تُرجع بعض الأصوات إمكانية فشل المساعي الروسية إلى أن «الغرب ليس شريكاً فيها»، وأن «أمريكا تعوّل على فشل التحركات الروسية من تلقاء ذاتها. أو أنها ستعمل على إفشالها عند حد معين». لا يمكن لأي عاقل أن ينكر أن واشنطن كانت في طليعة القوى المعادية للحل السياسي، وأنها ستسعى لاحقاً لإفشاله ، وأن مهمة مجابهتها وتطويعها للوصول إلى ذلك الحل هي من الضرورات القصوى- وهذا جزء من المساعي الروسية- إلا أن ذلك يبقى من المهام الصعبة من استمرار الانقسام بين السوريين، لأن جدوى الضغط على واشنطن للقبول بالحل السياسي ستكون أعلى بدرجات كبيرة في حال تم إنجاح الحوار المزمع عقده بين مختلف الأطراف السورية في موسكو، في حال تم ذلك سيكون على الغربيين إما القبول بالأمر الواقع، أو الانتقال إلى مواقع أشد ضعفاً فيما يتصل بالأزمة السورية.
إن إمكانية البدء بالحل السياسي كانت قائمة، موضوعياً، منذ ثلاث سنوات، تركّز خلالها الجهد الأمريكي على منع تلك الإمكانية من التحقّق، لذا فإن مسؤولية كل السوريين الوطنيين والشرفاء هي مجابهة مساعي واشنطن في دفع البلاد نحو المجهول والعمل على إنجاح مسار ذلك الحل.