الأزمات الدولية.. والقضية الكردية
عمر الحسن عمر الحسن

الأزمات الدولية.. والقضية الكردية

من جديد الوضع الإقليمي الراهن أن القضية الكردية باتت على جدول الأعمال ، بحيث لم يعد بالإمكان الوصول إلى حلول حقيقية لأزمات المنطقة و الحديث عن آفاق التطور اللاحق دون أن تكون هذه القضية بنداً من البنود على طاولة البحث، وهذا ما يفترض السؤال عن ما هية الحلول، ومعرفة مستوى توافقها مع التوازنات الدولية، وبالتالي كيفية رسم شبكة العلاقات والتحالفات الدولية والإقليمية والداخلية – كردياً – داخل كل بلد يعتبر فيه الكرد رقماً في المعادلات الجديدة.

شهدت البشرية خلال القرن الماضي أزمتين كانت كل واحدة منهما وراء تغييرات بنيوية في خرائط الدول، ونوعية الأنظمة، ومستوى وشكل العلاقات بين الدول، فاندثرت كيانات، وولدت أخرى، وتغيرت أنظمة، وجاءت أنظمة جديدة..اندلعت كل من الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، على خلفية أزمات اقتصادية تعجز بسببها قوى الهيمنة على إدارة العالم بالطريق السابقة، وبالأدوات السابقة، وتضيق خياراتها، فتلجأ إلى الحرب، بهدف تقاسم العالم والوصول إلى أماكن جديدة للتحكم بالموارد، في هذا السياق يمكن فهم حقيقة ما يجري في عالم اليوم، حيث أن الزلزال الكوني العالمي الراهن هو انعكاس لأزمة شاملة للنموذج الرأسمالي الذي يستفرد بالهيمنة على العالم منذ ما يقارب عقدين من الزمن، أي بعد انهيار النموذج الاشتراكي السوفييتي، ووصول مدحلة الرسملة إلى كل بقاع الأرض..
الحرب الأولى ..
وهدية سايكس بيكو!
في استعراض تطور الوضع الكردي خلال الأزمتين العالميتين السابقتين نجد أن اولى عطايا الغرب الرأسمالي كان سايكس بيكو، ، والخرائط التي رسمتها تلك الاتفاقية اللعينة، والتي ما زالت شعوب المنطقة تدور في دوامتها، من خلال تلك الألغام التي زرعها الغرب في جغرافيا المنطقة، ورغم المؤتمرات الدولية التي عقدت ومقرراتها، ورغم الوعود العلنية، والصفقات التي عقدت تحت الطاولة وفوقها، ورغم ان كل شعوب المنطقة ساهمت في مواجهة الدولة العثمانية، ورغم الحديث الغربي آنذاك كما هو اليوم، عن حاجة شعوب المنطقة إلى الحماية، رغم كل ذلك، دفعت جميع الشعوب ثمناً باهظاً للمشروع الغربي وخرائطه بمستويات مختلفة، وكان منهم من أصبح كبش فداء تاريخي، رغم إدعاء الغرب بحمايته،« الأرمن - السريان » والبعض همش كالأكراد رغم الوعود المتكررة، حيث أن المصالح المتبادلة بين المراكز الدولية والقوى الاقليمية الفاعلة آنذاك، اطاحت بكل الوعود الغربية، دون وازع أخلاقي ...هذا السرد التاريخي، ليس لـ«نشتم» ذاك الغرب رغم حقنا في ذلك لألف اعتبار واعتبار، ولكن للتذكير بأن التعويل على وعود الدول الرأسمالية وخصوصاً عندما تمر بأزمات عميقة، هي دائماً مسألة محفوفة بالمخاطر، وتنطوي على تناقضات متعددة تزيد الوضع تعقيداً بالضرورة، بسبب طبيعة تلك الدول من جهة، وبسبب بحثها عن أتباع أقوياء ذوي وزن إقليمي على الأقل من جهة أخرى، فتركيا مثلاً، بالتأكيد قادرة على خدمة المشروع الأمريكي أكثر، وأثناء أي تناقض بين المصالح الامريكية مع انقرة، ومع الأكراد فإنها ستختار الأولى بالتأكيد، وإن كان من الممكن استخدام سياسة ابتزاز الطرفين، واتباع سياسة الاحتواء المزدوج التي تلجأ إليه عبر تاريخها الحديث.
جمهورية مهاباد
على خلفية الأزمة الرأسمالية الثانية 1929 كانت الحرب العالمية الثانية، التي تركت بدورها نتائج متعددة في جميع المناطق التي امتدت إليها، ومنها منطقة الشرق، حيث حاول الأكراد في ايران الاستفادة من التناقضات الدولية آنذاك بعد تقدم القوات السوفياتية في الأراضي الواقعة تحت السيطرة الإيرانية، التي كانت قد اصطفت مع دول المحور، وأعلنوا تأسيس جمهورية مهاباد بقيادة القاضي محمد، ولكن مع وضع الحرب أوزارها، فرضت التوازنات الدولية على الاتحاد السوفييتي الانسحاب إلى حدود ما قبل الحرب، حيث أصبح ذلك عاملاً من عوامل انهيار تلك الجمهورية إلى جانب تناقضاتها الداخلية، رغم محاولات الاتحاد السوفييتي بدعمها، ورفض الشروط الانكليزية – الفرنسية اللتين حاولتا مقايضة ذلك لبقاءهما على احتلال أراضي أخرى، مقابل ذلك.
خصائص القضية الكردية:
من خصائص القضية الكردية أنه في حال بروز أية امكانية لحصول الكرد على شيء من حقوقهم القومية في أي بلد كان، كان الوضع الإقليمي كله يضطرب، وتستنفر كل الدول التي لها علاقة بالقضية الكردية، وتتحرك المحاور الدولية المتوافقة معها، أو أن هذه القضية كانت تستخدم في إطار الصراعات الإقليمية، فالقضية الكردية بحكم طبيعتها ونشوئها هي قضية إقليمية، وعليه فأن أي حل يجب أن يكون في سياق توافق اقليمي ودولي وداخلي داخل كل بلد، وبالتالي فإن حل المسألة الكردية لابد أن يترافق بالضرورة مع استقرار البلد المعني، وعليه فلا توجد إمكانية واقعية لحل كردي خاص بمعزل عن حل الوضع الاقليمي، وهذا يفترض الانطلاق من أن المسألة الكردية في ظروف اليوم هي جزء من وضع اقليمي عام، وتأتي  في ظروف تكون توازنات دولية جديدة لم تتثبت بعد، مما يعني إمكانية دائمة في تغيير قواعد اللعبة، وتخلي قوى الهيمنة عن «حلفائها»، وبعبارة أوضح، لايمكن كردياً التعويل على الإدارة الامريكية، في انجاز اي حق، لاسيما وأن تجربة هذه الأخيرة ومنذ إعلان حربها المزعومة على الإرهاب، كانت قائمة على منح الوعود للجميع، وخذلانهم ببساطة عندما يتطلب الأمر، لاسيما وأنها في مرحلة تراجع الدور على المستوى العالمي، وهي لم تتعامل مع أحد كحليف، حتى تلتزم أمامه بما يستوجب ذلك.
بعيداً عن إطلاق حكم قيمة، وأي توصيف أخلاقي لمن يعوّل على المشروع الأمريكي بالحصول على شيء من الحقوق الكردية، يمكن على الأقل القول إنها مغامرة غير محمودة العواقب بكل تأكيد، وهي تجربة ما تم تجريبه مراراً، هي دخول في حقل ألغام التجاذبات الإقليمية والدولية غير المنجزة، وغير الثابتة، فالامبراطورية الأمريكية في مرحلة تراجع الدور على النطاق الدولي كما أسلفنا، واستراتيجيتها المعلنة وربما الوحيدة للخروج من الأزمة هي الاستثمار في الحروب البينية، في أماكن عديدة من العالم، بهدف ضخ الدم في شرايين الاقتصاد الأمريكي المنهك والمستنزف لأسباب عصية على الحل. 
الحل الحقيقي..
لاشك ان العالم والمنطقة مقبلة على تغيرات كبرى بما فيها الخرائط، ولا شك أيضاً أن من حق الأكراد كغيرهم من أبناء المنطقة الحصول على حقوقهم، ولكن بالتأكيد ليس بمزيد من التفتيت، بل بالعكس تماماً باتجاه توحيد نضال شعوب الشرق، من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاعتراف المتبادل بالحقوق. بعيداً عن ثنائية الإقصاء والتهميش والتمييز، والعبث بالخرائط  باتجاه المزيد من التفتيت، الأمر الذي يهيء التربة لإثارة النزعات العرقية والطائفية والدينية، والدخول في دوامة جديدة من الأزمات.