تحت قبّة البرلمان

تحت قبّة البرلمان

من إعادة توزيع الدّعم لمستحقيه، إلى عقلنة الدّعم.. إلى إلى.. إلى.. سياسات ليبرالية، بخطوات عملية، ما زالت الحكومة ترسمها وتمارسها، في تراجعٍ مستمر للدعم والأجور تمهيداً لرفعه نهائياً، وخداع المواطنين لمصلحة الفساد، ولمزيدٍ من النهب الذي يمارسه كبار الفاسدين..
كان هذا موضوع كلمة الرفيق الدكتور جمال الدين عبدو في يوم 29/10/2014 في مجلس الشعب، أثناء مناقشة الموازنة الجديدة .

السيد الرئيس
سأتطرق في مداخلتي لموضوع الدعم، وسياسة الدعم، في الموازنة لأهميته وتداعياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية.
الدعم الاجتماعي يكبر رقماً.. ويتراجع فعلاً..!
إن التراجع التدريجي لفعالية الدعم، مع توسع البطالة، من أهم المساهمين في تراجع الأجور في سورية، وتوسيع الفقر. حيث توسّع تحكم الفساد بتوزيع الدعم، بدايةً من تضخيم رقمه وصولاً إلى الاستيلاء على المواد المدعومة من ضمنه، وتشكيل أسواق سوداء كبيرة لها.
والرفع غير المبرر لتكلفة الدعم، ليس عشوائياً، فالتكاليف الكبيرة رقمياً مدفوعةٌ حكومياً، ولكن ليس للدعم! وعلى الرغم من عدم تحديد وجهتها، ولكن يُفيد الجزم بأنها أحد أهم منابع الفساد الكبير من استيراد إلى توزيع إلى تهريب. مثلاً: حصة التهريب كمجال عمل لكبار الفاسدين السوريين بلغ تقديرها في عام 2005 بمقدار ربع القيمة الإجمالية، لمستوردات المحروقات بمقدار 18 مليار ل.س، المفارقة أنّ جزءاً منها كان يُسجّل رسمياً تحت اسم «صادرات قطاع خاص» في زمرة «وقود وزيوت معدنية»
أما تراجع فعالية الدعم، نتيجة الفساد الكبير، هو أهم مسببات تراجع الأجور الحقيقية في سورية، وما ينجم عنه من تراجع الإنتاج والمنتجين، وزيادة الأرباح والسهلة منها تحديداً، في القطاعات الخدمية المختلفة من التجارة للمال، والمصارف والصرافة و غيرها.
وهذا كان أحد أسس تبني الليبرالية الاقتصادية في سورية، التي خففت فعالية الدعم الاجتماعي، في مواجهة ارتفاع مستوى الأسعار وحماية الأجور، لتزداد الأجور النقدية درجةً، ويرتفع المستوى العام للأسعار المحررة درجاتٍ عديدة، أما السّعي الدؤوب خلال الأزمة لتحرير أسعار المحروقات، هو انتهاز قوى الفساد والليبرالية لفرصةٍ تاريخية، بإزالة عِبء الدعم وتحرير السوق وتركها للفوضى بشكلٍ كامل.

السيد الرئيس: نستدل على مستوى تراجع فعالية الدعم في مساندة الأجور النقدية، على تغطية الحاجات الرئيسية للأسرة السورية، من توسيع الفجوة بين متوسط الأجور وبين تكلفة الحاجات الرئيسية للأسرة المحددة بسلة استهلاك رئيسية. في عام 2014 بلغ وسطي الأجور السورية 20 ألف ل.س وهي تعيل أكثر من 6 أشخاص بينما حاجات أسرة من 5 أشخاص خلال شهر بتقديرات وسطية لسلة الاستهلاك تبلغ أكثر من 90 ألف ل.س والفارق 70 ألف ل.س ما يعني أن الأجور النقدية الحالية تُغطي نسبة لا تتجاوز 22% من حاجات الأسرة ويبقي 78% من الحاجات دون تغطية.
إن هذه الهوّة المتسعة ساهمت في ازدياد الفقر 44% إلى 80% من السوريين في ظل الفقر المطلق خلال عام 2014، لا يحصلون على ما يسد حاجاتهم وحاجات أسرهم الضرورية ، وليس الهامّة والأساسية فقط.
السيد الرئيس: إنّ سياسة الحكومة بترشيد النفقات، وتوفيرها للإنفاق على مجالات أخرى، كالدفاع وغيرها.. في ظل ظروف الحرب، وهي ضرورة لا شكّ لأمن الشعب، مما هو إلا بازار، لحاجة الأمان عند الشعب، مقابل حرمانه من حاجاته الأخرى التي بزوالها يضعف صموده. في حين تقوم الحكومة بالتفريط بالعديد من الموارد المالية القادرة على تغطية نفقات الصمود العسكري والشعبي، كالفساد الكبير والتهرّب الضريبي والجمركي، من قبل كبار المكلفين قبل صغارهم، والتفريط في القطع الأجنبي، الذي جمعه الشعب السوري لعقودٍ لمصلحة المتاجرين بالعملة الوطنية ناهيك عن الاستمرار الحكومي بنفس مستويات الإنفاق الاداري السابقة للأزمة
التي تشمل نفقات كسيارات المسؤولين ونفقات مكاتبهم رغم ان العديد من المؤسسات الحكومية باتت خارج السيطرة إلا أن نفقاتها ظلت كما هي لا بل زادت في بعض المواضع حسب الموازنة.

السادة الزملاء السيد الرئيس:
يبدو أنّ الحكومة، وبعد أربع سنوات على الأزمة والتي امتعضت يوماً من وضع الحل السياسي للازمة شرطاً للحل الاقتصادي الجذري، عملت على تعبئة (رأس مالها البشري) للمواجهة وإن كان جيداً، إلا أنّها لم توظف الكثير من أموال هذا الشعب لخدمته. فهل من المعقول أن تفرط الحكومة برأس المال البشري، أغلى ما لديها، وخزّانها الاستراتيجي للصمود والنمو اللاحق، وتعمل في الوقت ذاته على (صمود الأموال) وتنميتها وحفظها في جيوب الحرامية الكبار؟
أخيراً أتحفظ على سياسة الحكومة المالية، وعلى مشروع الموازنة الحالي، ولتدارك الملاحظات الهامة التي ذكرها زملائي في مداخلاتهم الغنية والقيمة، أدعو زملائي لردها إلى الحكومة، كي تكون عوناً لشعبنا في صموده، لا زيادةً في الأعباء عليهِ، وتجربة السنة المالية 2014 خير دليل على ما نقول، والتي تحفظتُ حينها على موازنة العام الماضي عند إقرارها .