لماذا «عين العرب - كوباني»؟
تتذمر أطراف مختلفة، سراً وعلناً، من الاهتمام الإعلامي والسياسي الكبير الذي حازته وتحوزه معركة «عين العرب- كوباني» في وجه «داعش»، ومن بين آخر المنضمين لجوقة المتذمرين أردوغان الذي صرّح بـ«عدم فهمه لسبب هذا التركيز»! وبما أنّ الشأن الإعلامي لا ينفصل نهائياً عن الشأن السياسي، فإنّ جملة من الاستنتاجات والدروس يمكن بناؤها على طريقة تغطية معركة «عين العرب- كوباني» إعلامياً، وعلى المعركة نفسها ضمناً، ويمكن في هذا السياق الحديث عن موجتين من التركيز الإعلامي على «عين
العرب- كوباني»، متشابهتين من حيث الشكل مختلفتين من حيث الوظيفة:
إنّ الموجة الأولى من «الاهتمام» الإعلامي بـ«عين العرب- كوباني»، التي سبقت احتدام المعركة واستمرت خلال أيامها الأولى، تجد تفسيرها في مخططات واستهدافات التحالف الدولي غير الشرعي الذي تقوده واشنطن. فبعد انقضاء فترة قصيرة على تشكل التحالف وشروعه في غاراته الجوية، بدأ الحديث الإعلامي والسياسي يتصاعد عن ضرورة وجود قوات على الأرض «لأن الغارات الجوية لن تستطيع إنهاء داعش» وهنا جاء الدور على «عين العرب- كوباني»: تقوم داعش بمذبحة كبيرة في «عين العرب- كوباني» على التخوم مع تركيا فتقوم هذه الأخيرة بالدخول بقواتها بغية «حماية المدنيين»..! وبذلك يكون هدف واشنطن بنقل التدخل العسكري غير المباشر إلى تدخل مباشر قد تحقق باستخدام ما تراه «لحماً رخيصاً» هو اللحم التركي، وتكون قد سمحت جزئياً لحليفها التركي بتحقيق بعض مما يراه ضرورياً لتوسيع نفوذه ووجوده الإقليمي على حساب دول الجوار، أي سورية ضمن أزمتها المتفجرة. وكان من مستلزمات هذه العملية أن تكون المذبحة متلفزة بحيث تأسر الرأي العام وتقدم الذريعة للتدخل «الإنساني» التركي.
غير أن ظهور المقاومة الشعبية وثباتها وتماسكها وصمودها أدى إلى نسف مخططات التحالف، تلك المقاومة التي لم تكن في حساب أي طرف من الأطراف. وبدأ مع عمليات الصمود ونجاحها الطور الثاني من التركيز الإعلامي، حيث بات من المتعذر على وسائل الإعلام الغربية سحب ملف «عين العرب- كوباني» من التداول، فبدأت العمل على تصوير «التعاطف» الغربي معها، لتؤمن مخرجاً ما لواشنطن وتحالفها الذي بات يعمل ضمن خيارين كلاهما خاسر: إما الإصرار على دعم «داعش» في السيطرة على «عين العرب- كوباني» بما يحمله ذلك، على صعوبة تحقيقه، من مخاطر على فكرة التحالف الدولي وعلى الوضع التركي الداخلي وعلى مستقبل الوجود والتدخل الأمريكي في المنطقة. وإما الخضوع للانتصار الذي تحققه المقاومة الشعبية، والعمل للالتفاف عليه وتفريغه من محتواه، عبر محاولات نزع صفته الشعبية عنه من جهة، وعبر نسب الانتصار إلى ضربات و«مساعدات» التحالف، والعناصر الخارجية، من جهة أخرى.
إنّ المتذمرين من الاهتمام بـ«عين العرب- كوباني» هم بغالبيتهم المتضررون من صمودها، ومن النموذج الذي قدمته، ومن الدروس التي تقدمها، وعلى رأسها:
• إذا كانت فكرة المقاومة الشعبية فكرة صحيحة وأخلاقية في جميع الأوقات والظروف، فإنها تكتسب في الظرف الحالي صفةً إضافية هي احتمالات الانتصار العالية، فهشاشة الميزان الدولي الحالي تسمح لقوى الشعوب، مهما كانت عليه من قلة التسليح والدعم، بتحقيق اختراقات مهمة ومؤثرة على المستويات المحلية والإقليمية وحتى الدولية.
• أكدت «عين العرب- كوباني» أنّ السوريين قادرون على مواجهة قوى الإرهاب بمعزل عن «دعم وإسناد» قوى التدخل الخارجي، شريطة أن يتوقف «الخارج» عن تدخلاته وكونه طرفاً داعماً للإرهاب، يعمل على إعاقة الحل السياسي.
إنّ النموذج الذي قدمته «عين العرب- كوباني»، إذ يقلب الطاولة على كل الأطراف- كل لحساباته الخاصة- التي توقعت مساراً سريعاً في سقوطها، فإنه يلقي على كاهل جميع الوطنيين في سورية مسؤولية حمايته سياسياً وعسكرياً، ومسؤولية تعميمه. وأهم وسيلة في حماية هذا النموذج سياسياً هي الدفع باتجاه الحل السياسي الشامل الذي يضمن توحيد جهود السوريين وتجميع قواهم التي أثبتت «عين العرب- كوباني» أنها ليست قليلة أبداً. الحل السياسي الذي يقع على الضد تماماً من جميع مخططات «داعش» ومعلمها الأمريكي، العدو التاريخي لشعوب المنطقة والعالم.