الحياة ليست لعبة «Red Alert»!!
يعبر ظاهر الأمور عن جانب جزئيٍ من حقيقتها، لا عن حقيقتها كاملةً، والخديعة الكبرى تقع على أولئك الذين يطابقون ظاهر الأمور مع جوهرها.. تلك حال من يرى في لعبة الحريق الأمريكية مؤشراً على تعاظم قوة واشنطن وسطوتها وسيطرتها..
ليست الغاية «تدمير الأعداء»!
يتعامل الكثيرون مع اللوحة السياسية العالمية تعاملهم مع «الألعاب الاستراتيجية» المسوّقة الكترونياً للكبار والصغار، من شاكلة «Red Alert» و«Age of Empires» ومثيلاتها، حيث تقوم فكرة هذه الألعاب على تكثيف الموارد الاقتصادية والبشرية على شكل جيش مسلح يقضي على جيوش الأعداء، وتلك هي غاية اللعبة ومنتهاها، فكلما كان الجيش الذي يبنيه اللاعب أكبر وأقوى، زادت فرصه في الربح، وعبّر ذلك عن تطور أعلى في قاعدته الاقتصادية. ولكن تلك هي حال الألعاب وتعبيراتها، فهل الواقع كذلك؟
عود على بدء، فإنّ الجيوش الكبيرة بُنيت ولا شك استناداً إلى قاعدة اقتصادية وعلمية متقدمة، ولكنّ بناءها شيء، وقرار خوضها للحروب شيء آخر! فالحرب بمفهومها المعاصر ليست إلّا امتداداً للسياسة، وهذه الأخيرة تكثيف للاقتصاد، ما يعني أنّ الحرب هي نشاط اقتصادي من نوع خاص في نهاية المطاف. ولمّا كان النظام الرأسمالي هو السائد في عصرنا، فإنّ الحرب ذاتها تخضع لغاياته، وغايته الأسمى التي تعلو على سواها ليست تدمير جيوش الأعداء، كما في الألعاب الرقمية، بل السعي نحو الربح الأعلى، فهل تؤمن الحرب ذلك؟
النفط والغاز..؟؟
الإجابة هي «لا» و«نعم»!
البعض يكتفي بالتركيز على النفط والغاز وغيرها من الموارد التي يستولي عليها الاستعمار بالقوة، فيعتبر قيمة تلك الثروات المباشرة غاية الحرب، ما دامت غايتها الربح. غير أن هذا أيضاً ليس سوى جانب مهم آخر من جوانب الحقيقة، ولكنّه ليس الأهم!
إنّ المفاضلة بين النشاطات الاقتصادية المختلفة، من وجهة النظر الرأسمالية، لا يأخذ بعين الاعتبار التكلفة البشرية أو البيئية أو سواها، وإنّما ينطلق من معدل الربح، فإلى حيث يكون معدل الربح أعلى تشد الرّحال بغض النظر عن أية عوامل أخرى. ولندخل في المثال الأمريكي..!
إن نشاط رأس المال المالي العالمي بقيادته الأمريكية، وعبر الدولار تحديداً، وصل إلى معدلات ربح بلغت 250 ألف%، ولا يمكن لحرب في التاريخ أن تحقق- بشكل مباشر- جزءاً من مئة من معدل الربح هذا. فالحرب كوسيلة للاستيلاء على ثروات الشعوب الأخرى لها تكاليفها الباهظة ومخاطرها العالية. بالمقارنة، فإنّ النشاط المالي نشاط آمن جداً، حيث يكفي أن تستمر آلة المصرف الفيدرالي الأمريكي بطباعة أوراق المئة دولار بكلفة أربع سنتات للورقة الواحدة لتشتري بها بضائع بقيمة مئة دولار من الشعوب الأخرى، ولتحقق بالتالي نسبة الربح المشار إليها. وكان ماركس قد افترض أنّ رأس المال حين يصل إلى أرباح تفوق 300% فإنّه لا يتورع عن فعل أي شيء للحفاظ على نسبة الربح هذه، فكيف بـ250 ألف%؟!
تلك هي المسألة!
بهذا المعنى فإنّ الحرب لا تحقق الربح الأعلى بشكل مباشر، ولكّنها تتحول إلى أداة أساسية في تحقيق الربح الأعلى حين تحامي عن دور الدولار الذي يحقق بدوره ذلك الربح، ما يعني أنّ مجرّد خوض الحرب من قبل الأمريكيين يعني أنّ الربح عن طريق الدولار يتعرض للأخطار ويحتاج إلى الحماية! وما يعني أيضاً أنّ الحرب الأمريكية كلما اشتد أوارها واتسعت مساحتها فإنما تعكس اشتداد الخطر المحدق بالدولار وبمعدلاته ربحه/ نهبه لشعوب الأرض. وتلك هي المسألة، قبل أي اعتبار آخر! ليصبح كل من اشتداد الحرب الأمريكية واتساع العسكرة الأمريكية، تعبيراً عن المزيد من التراجع والضعف المرتبط بطبيعة الأزمة الرأسمالية الشاملة، حتى وإن كان ظاهرهما قوة.