الأكراد السوريون والأزمة؟
واصل الأحمد واصل الأحمد

الأكراد السوريون والأزمة؟

ازداد الوزن النوعي للمسألة الكردية في سورية في ظل الأزمة الراهنة ، حيث أصبحت على جدول الأعمال بحكم الأمر الواقع وباتت كغيرها من جوانب الأزمة السورية مسألة إشكالية بين القوى الدولية والإقليمية و الحركة السياسية السورية، و حتى في صفوف الحركة القومية الكردية نفسها، حيث أصبح هذا الملف بأوجاعه المزمنة، والاحتقانات التي راكمها خلال عقود من الزمن مادة على طاولة البازار الاقليمي، والدولي بما على هذه الطاولة من صفقات ووعود وأوهام وابتزاز وحقوق وخصوصاً بعد تشكيل إطارات «معارضة» الخارج وما يسمى بـ «مجلس اسطنبول» وما تناسل منهُ من تشكيلات فيما بعد، التي تبنت خطاب مكونات ما قبل الدولة الوطنية، ومروراً بتطورات المشهد العسكري الميداني، وصولاً إلى مرحلة ازدياد دور قوى التكفير والتدخل العسكري الأمريكي المباشر في الأزمة، تحت يافطة الحرب على الإرهاب. 

ورقة ضغط أم حلول واقعية؟

القاسم المشترك بين مقاربات أغلب القوى للمسألة الكردية حتى اللحظة هو محاولة جعلها ورقة ضغط لا أكثر من قبل هذه الجهة أو تلك في إطار الصراع الجاري في سورية وحولها، الأمر الذي ألقى ويلقي بظلاله لاحقاً على اتجاه تطورالقضية الوطنية، وعلى هذه المسألة نفسها، ولاسيما أن النخبة السياسية الكردية تعاني عموماً من قصور معرفي في عملية تحليل المرحلة التاريخية الراهنة، وأبعادها، حيث صاغت هذه النخبة رؤيتها على أساس الانطلاق من الخاص لرؤية العام، واستندت إلى ما هو آني ويومي، دون الأخذ بعين الاعتبار حركة الواقع وطابعه المركب، وإيقاعاته السريعة والمتواترة، وتناقضاته، هذا الإشكال المعرفي أدى ببعض القوى القومية الكردية التي صنفت نفسها في خانة المعارضة التقليدية، إلى وضع البيض كاملاً في سلة ما يسمى «الائتلاف الوطني السوري» صاحب الدورالبارز في خلط الأوراق وتعقيد الأزمة، والمتاجر على أكتاف الحركة الشعبية ودوره العلني في محاولة توظيفها لخدمة الآخرين، والمعروف بعلاقاته الإقليمية المتميزة مع جهات محددة ومنها تركيا على وجه الخصوص، وحاولت تلك القوى الكردية بناء شبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية على أساس محاكاة تجربة المحاصصات التي تبناها «الإئتلاف» المذكور لغايات وأهداف معروفة وأولها محاولة الوصول إلى السلطة من البوابة الأمريكية أي عبر تسويق مشروع الفوضى الخلاقة رغم ما تشكله من نتائج كارثية على الجميع.

ثوابت وطنية!

إن التعبيرعن «مصالح الأكراد السوريين» بالمعنى الحقيقي يجب أن يستند على جملة ثوابت لا يجوز بحال من الأحوال تجاهلها، أو القفز من فوقها كونها تعكس الواقع الموضوعي، ولعل أولى هذه الثوابت هو العمل لحل المسألة الكردية على أساس أنها جزء لا يتجزأ من قضية الديمقراطية والتغيير في البلاد، وعلى أنها لاتحل حلاً حقيقياً إلآ من خلال حل شامل للأزمة السورية نفسها،  ومن هنا فإن أعلى درجات التنسيق مع القوى الوطنية والديمقراطية من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة البلاد وحل سياسي وعملية تغيير عميقة وجذرية وشاملة، بما فيها منع استمرار وتكرار سياسات التمييز والتهميش والإقصاء وإنكار الوجود، وضمان الحقوق القومية الثقافية كجزء من أهداف الحركة الشعبية في بناء سورية الجديدة، هي إحدى الثوابت التي لا يمكن خارجها إنجاز أية «مصلحة كردية» بحكم الجغرافيا السياسية، وبحكم ما تفرضه من وحدة المصالح والتاريخ والمصير المشترك... 

تركيا والدور الحقيقي!

من الضروري في هذا السياق إعادة صياغة الخطاب السياسي الكردي على أساس رؤية عميقة في قراءة المشهد العالمي وتأثيراته الإقليمية، والداخلية، وتحديداً ملاحظة وجود تبدل في ميزان القوى العالمي، وتراجع الدور الغربي عموماً، والأمريكي منه على وجه الخصوص،  ولجوء هذه الأخيرة إلى الحرب كممر إلزامي للخروج من الأزمة، وليس كرمى لسواد عيون أحد، فأكثر ما تستطيع الولايات المتحدة فعله اليوم هو إشاعة الفوضى وهي أعجز من أن تستطيع اليوم تجاهل مصالح حليفتها التقليدية «تركيا» وأهميتها ودورها الوظيفي التقليدي والمستحدث في صراعها الدولي.. اللهم إلا إذا كان الفصام السياسي أقنع بعض النخب الكردية بأن الدولة التركية أصبحت حليفة هي الأخرى، بدلالة موقفها «المشرّف» من القوى التكفيرية في رأس العين سابقاً، وعين العرب –عفواً- «كوباني» حالياً؟!! كما أن مستوى تعقيد الوضع يتطلب ضرورة معرفة الوزن الحقيقي للمسألة الكردية في المعادلات السياسية الداخلية والإقليمية بعيداً عن تورّم الأنا القومية، والرهان على الخرائط المرسومة على يد«المهندس» الغربي، من الضروري استثمار زيادة  الوزن النوعي  للمسألة الكردية ضمن هذه الرؤية حتى تكون في الاتجاه الواقعي المطلوب، ولتجنب المزيد من الخسائر، التي قد تكون كارثية في مثل هذه المنعطفات، فعلى الرغم من زيادة هذا الوزن يمكن ببساطة ملاحظة تلك الخسارات الاستراتيجية الكبرى فالمؤشرات الخطيرة التي كشف عنها ما جرى مؤخراً ويجري في  منطقة عين العرب «كوباني» واحتمالات تكراره، حيث ليس لدى بعض القيادات الكردية سوى«الاستنجاد» بما يسمى «التحالف العربي الدولي» ضد الإرهاب، مع التغافل عن الدور الإقليمي التركي فيما حدث ويحدث ودلالاته، وعدم رؤية أو تجاهل مستوى التشابك والتنسيق بين تركيا والإدارة الأمريكية وعدم رغبة هذه الأخيرة في الاستغناء عن الدور التركي في مواجهتها مع القوى الدولية الصاعدة، بمعنى آخر أن سياسة بعض القوى الكردية اليوم من حيث تدري أو لاتدري تضع المصالح الكردية تحت سندان الابتزاز الأمريكي، وحليفها الإقليمي التركي وفي مرمى نيران عملية تبادل الأدوار الواضحة بينهما. 

وعلى الصعيد الميداني يشكل إفراغ مناطق بكاملها من السكان وخصوصاً الأجيال الشابة بسبب استمرار النزوح والهجرة الجماعية إلى بلدان الاغتراب في ظل الوضع المتوتر، والنتائج الاقتصادية الاجتماعية والإنسانية لذلك تحدياً كبيراً وتهديداً للوجود، وكما تؤكد التجربة الملموسة فإن «الوضع الكردي» بأبعاده المختلفة يتعقد طرداً مع تعقد الوضع السوري العام، الأمر الذي يؤكد بأن مستقبل أكراد سورية لا ينفصل عن مستقبل سورية نفسها، ومصلحة الأكراد السوريين تكمن بالضبط في العمل من أجل الإسراع بالحل السياسي بين السوريين، بما يفتح الطريق إلى التغيير الجذري والشامل الذي يعبر عن مصالح أغلبية السوريين بغض النظرعن انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية.. وهذا ما يفترض التجاوب والتنسيق مع جهود القوى الدولية والإقليمية والداخلية الساعية إلى هذا مثل هذا الحل. 

عود على بدء

بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وتقاسم العالم بين القوى الدولية التي خرجت منتصرة من الحرب، والخرائط التي رسمت في المنطقة والتي كان الأكراد إحدى ضحاياها، منذ ذلك الحين لعب الأكراد السوريون مثلهم مثل غيرهم من أبناء الشعب السوري دوراً بارزاً خلال مختلف مراحل تطورالبلاد رغم سياسات التمييز القومي ومحاولات التهميش على يد الأنظمة المتعاقبة على الحكم في العقود الأخيرة، والتي يجب أن تنتهي في سياق عملية التغيير القادمة بلاشك، ومن هنا فإن أي  محاولة لتوظيف الملف الكردي السوري وإخضاعه للتجاذبات الاقليمية والدولية من أي كان هو ضرر للقضية الوطنية السورية وضرر لمصلحة الأكراد السوريين أنفسهم.