معالجة الأسباب.. وليس النتائج فقط..!

معالجة الأسباب.. وليس النتائج فقط..!

يستدعي حجم اللغط أو التضليل أو التخبط السائد في الساحات السياسية والإعلامية السورية والإقليمية والدولية في التعاطي مع مسألة التحشيد الأمريكي المعلن- والمتعثر بآن معاً- بمواجهة «داعش» العودة إلى ملخص أوليات المنطق ونقاط الانطلاق في فهم الأزمة السورية ومسارها بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف من عمرها:

إن الأزمة السورية أزمة بنيوية وعميقة ومتراكبة ومتداخلة ببعديها الداخلي الأساسي، والخارجي المستفيد والمؤجج والموظِف.

إن استعصاء الأزمة السورية عن الحل بتداخل عوامل وأساليب ومؤثرات أطراف الصراع وتناقض إراداتهم وأهدافهم أعطى بأحد تجلياته اليوم مُنْتَجاً للتدخل الامريكي بشؤون المنطقة بالاستفادة من ظروف أزمات بلدانها، اسمه «الإرهاب»، متمثلاً بالدرجة الأولى بالتنظيمات التكفيرية و«الجهادية» من شاكلة «داعش والنصرة» الوافدة على النسيج السوري، والتي تعد أدوات للتدخل الخارجي غير المباشر.

إن اضطرار واشنطن تحت وقع أزمتها الشاملة، وضمن ميزان القوى الدولي الجديد المتشكل، إلى اعتماد الشكل غير المباشر للتدخل، دفع جناح الحرب الأمريكي وحلفائه الإقليميين إلى اعتماد وتسهيل انتشار الأدوات والتنظيمات الفاشية الجديدة كوسائل للضغط والابتزاز وتحصيل ما يمكن ضمن محاولة إعاقة مسار تبلور ذاك الميزان. وإن تنطح الإدارة الأمريكية والتحالف الذي أنشأته مؤخراً في جدة للإعلان عن «عزمهما» مكافحة تطور هذه الظاهرة الإرهابية في سورية والعراق يعني أن هؤلاء يريدون معالجة أحد «منتجات» الأزمة وليس الأزمة بأسبابها بحد ذاتها، أي معالجة النتائج لا الأسباب..!

بديهي القول إن التصدي لأي أزمة يستدعي معالجة أسبابها، وهذا يعني بالشكل الصحيح بالنسبة للحالة السورية الملموسة التركيز على «الحل السياسي» الذي يتضمن جوانبه العسكرية بطبيعة الحال، ولكنه يتضمن كذلك معالجة كل الملفات العالقة تاريخياً والمستجدة بحكم مفرزات الأزمة على المشهد السوري، أي جملة القضايا التي تهم المواطن السوري، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً.

وعلى اعتبار أن هذا المنطق هو المدخل الأساسي لحل الأزمة السورية، فلا ينبغي أن يغيب عن البال بالمطلق أيضاً أن الأمريكيين لم ولن يكونوا يوماً جادين بمكافحة الإرهاب، المسؤولين عن تصنيعه أساساً، وإنما هم معنيون وجادون بـ«إدارة» التنظيمات الإرهابية بهدف الوصول إلى أهداف محددة تصب في الأجندة الأمريكية، أولاً وأخيراً. وإن كل الحديث الدائر اليوم عن وجود «جهود دولية بقيادة واشنطن» لمواجهة خطر داعش إنما يستهدف إعلامياً وسياسياً بالدرجة الأولى تغطية «الجانب القانوني» للمسألة وإحداث امتصاص مسبق للجوانب السلبية الخطيرة المترتبة على تحويل واشنطن نمط تدخلها غير المباشر بسورية إلى تدخل مباشر عبر توجيه الضربات الجوية (التي تجمع جميع التخوفات على أنها لن تقتصر على استهداف داعش، إن استهدفتها أصلاً، وإنما الدفاعات الجوية للجيش العربي السوري وقواعده)، لتقع سورية بين فكي كماشة الإرهاب، بشقّيه «الأمريكي» و«الداعشي» وأشباهه. وإن كثرة ذاك الحديث حول تلك «الجهود» لهاتيك «التغطية» بهذا الاتجاه لا يعني أن هذا مرغوب أو مطلوب، أقله بحكم انعدام ثقة الشعب السوري بالإدارة الأمريكية تاريخياً.

وعليه فإن التوجه الحقيقي يستدعي الذهاب إلى حل سياسي حقيقي، وجذري وشامل بين جميع السوريين، بعيداً عن أية أوهام مرتبطة بإحياء شعارات «الإسقاط أو الحسم» أو إمكانية العودة بأشكال الحياة السورية إلى ما قبل آذار 2011، وبعيداً بالمطلق وبطبيعة الحال عن المقاربات المسوقة أمريكياً لـ«مكافحة الإرهاب».

وإذا كانت معالجة أسباب الأزمة هي المدخل الأساسي لمعالجة كل نتائجها، وهذا على كاهل قوى النظام والمعارضة، فإن معالجة المنتج الإرهابي التكفيري المتحول إلى سبب في استدامتها، تستدعي أساساً قيام تعاون بين حكومتي وشعبي العراق وسورية، وإخضاع أية تحركات دولية بهذا الصدد إلى مجلس الأمن الدولي، وقيام إطار إقليمي ودولي جدي وفعال وملزم بمشاركة كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية، بدون استثناء، وفي مقدمتهم روسيا والصين وإيران، مع ضرورة الانتباه إلى أن حديث عواصم هذه الدول حول ضرورة وجود تنسيق مع الحكومة السورية في أي استهداف لداعش داخل الأراضي السورية إنما المقصود منه الضغط على النشاط الأمريكي المرتقب، ونزع الشبهة عنه عبر حصره بتلك المهمة، لا أكثر ولا أقل. ولكن مع إصرار الأمريكيين على عدم الموافقة على ذلك يصبح المقصود منه فضح حقيقة نواياهم، وليس التشجيع على قيام «تنسيق ثنائي» يسهل عليهم تحقيق نواياهم الحقيقية بالمحصلة..