عرفات: لا يمكن حل ملف «داعش» إلا بتفاهم سوري عراقي شعبياً وحكومياً
أجرت إذاعة «ميلوديFM سورية»، الأربعاء 23/7/2014، حواراً مع الرفيق علاء عرفات، عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير وأمين مجلس حزب الإرادة الشعبية المعارض، وفيما يلي أبرز ما جاء في هذا اللقاء.
أستاذ علاء، عُيّن ستيفان دي ميستورا كبديلٍ للإبراهيمي، وأصدرت الخارجية السورية مساء الثلاثاء بياناً رحبت فيه بتعيينه، وأملت- كما أملت أيام الإبراهيمي ومن سبقه من مندوبين أمميين– أن يتصف بالشفافية والنزاهة والحيادية، كيف تعلق على هذا التعيين أولاً، وثانياً على بيان الخارجية السورية؟
أولاً هذا التعيين، له معنى ومغزى، وتذكرون أن الرئيس أوباما قال قبل ذلك بأيام أنه ليس هناك داع لتعيين مبعوث أممي، وجاء التعيين ليقول بأن هناك داعياً، وأن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مهتمان بإيجاد حل للأزمة السورية، ووجود المبعوث الأممي هو أحد العناوين التي يجري العمل عليها في ما يتعلق بإيجاد حل سياسي سلمي. أما في ما يتعلق بموقف وزارة الخارجية، فهو بالتأكيد موقف صحيح، حيث أبدى الإبراهيمي في الفترة التي كان موجوداً فيها، شيئاً من عدم الحيادية في تصريحاته أثناء معالجته للأزمة السورية، حيث أدلى بأكثر من تصريح لا يتناسب مع موقعه كمبعوث دولي يفترض أن يكون محايداً، فقد صبّ عددٌ من تصريحاته في خانة أحد الأطراف، وتحديداً في طرف الائتلاف وأشباهه، وهذا ما وضع الكثير من الملاحظات على سلوكه ونشاطه، ولا أستطيع القول إنه هو كان السبب في فشل مؤتمر جنيف، لأن ذلك كان بسبب سلوك الأمريكيين والائتلاف وقوى أخرى لم يكن لها مصلحة بنجاح هذا المؤتمر.
هل الآن هناك محاولة لتعويم مؤتمر جنيف3؟
إذا نظرنا إلى حلول الأزمة السورية بالمعنى العملي، فلن نجد لدينا واقعاً على الأرض سوى اقتراح جنيف الذي يستند إلى بيان جنيف1، «التوافق الأمريكي – الروسي»، ومؤتمر جنيف2 الذي لم ينجح، والذي كان آخر ما اتفق فيه أن تعقد جلسة ثالثة منه، وجرى الاتفاق على برنامج عملها في حينه، وتوقفت العملية نتيجة سلوك الأمريكيين وائتلاف الدوحة آنذاك.
حالياً، تقوم الأطراف الساعية لإيجاد حل حقيقي للأزمة السورية بدفع الأمور باتجاه استعادة جنيف وتخليصه من شوائبه التي كانت موجودة في حينه، والتي تتجسد أولاً في ما يتعلق بتمثيل المعارضة.
من هي هذه الأطراف؟
الروس وحلفاؤهم بالدرجة الأولى، كالصينيين والدول التي نسميهم أصدقاء سورية الحقيقيين
ماذا لو استمر النهج الأمريكي- الغربي، ونهج من يسمون أنفسهم «أصدقاء» سورية، هل سيحيا مؤتمر جنيف3؟
هذا صحيح إلى حد بعيد، ولكن السؤال الذي يطرح، هو إلى متى يستطيع الأمريكيون وحلفاؤهم الاستمرار في هذا السلوك؟ وكيف ستتطور الأمور في سورية وما حولها؟ في الحقيقة، كانت التطورات الأخيرة خلال الأسابيع الماضية تقول إن عدم حل الأزمة السورية سيؤدي لتوسع رقعة الصراع ودخول قوى جديدة– ذات سلوك غير متوقع– إلى المعركة وفرضها لواقع جديد على الأرض، ويمكنها أن تهدد عملياً جميع بلدان المنطقة ويكون لتهديدها طابع عالمي، وأقصد القوى التي تُسمى اليوم بالمختصر «داعش»، ويضع مثل هذا السلوك الأمريكيين أمام استحقاقات تطوّر هذه الظاهرة، التي لا تضغط على الأزمة السورية فحسب، بل إنها دخلت إلى الساحة العراقية وبدأت تضغط على الساحة الأردنية والسعودية والتركية. وأعتقد أن قدرة الأمريكيين على التحكم بهذه المسألة موجودة ولكنها ليست كلّية، وبالتالي لا أعتقد أنهم قادرون على السير بتطورٍ مشابه إلا إلى مسافة محددة، حيث سيضطرون للذهاب بعدها إلى حلول سياسية وإلى تعويم مؤسسات مثل مؤسسة جنيف.
كم عمره بالمقياس الزمني.. وماذا تتوقع أن يفعل الأمريكيون؟
في الحقيقة أعتقد أن القضية ستأخذ زمناً أطول، ما هو جوهر القضية وما قصة كل هذه الألاعيب الأمريكية؟ بالدرجة الأولى، بدأ نجم الأمريكيين كبلدٍ مهيمن على العالم بالتراجع، وكانوا يريدون منع عملية التراجع هذه وإذا لم يتمكنوا فتأخيرها على الأقل. ولطالما كان الحل لدى الدول الآفلة المستغلة عبر الحرب، وللحرب اليوم شكل محدد ومختلف عن الحروب التي رأيناها، أي أننا لا نستطيع اليوم رؤية حرب عالمية أولى أو ثانية بالنمط السابق لسبب بسيطة هو وجود السلاح النووي. وبالتالي، فالأمور تنحو منحى الحرب بالشكل الذي نراه حالياً. ولذلك، فالتغير في مجريات الوضع لدينا وفي المنطقة مرتبط إلى حد بعيد– عملياً- بإنجاز التراجع الأمريكي، والأمريكيون يقاومون هذا التراجع، ولكنهم يتراجعون اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً. سيكون لظهور هذه المسألة ووضوحها بشكل جليّ تأثيرات عملية على مجريات الوضع عندنا، ويمكن أن توجد الحلول المطلوبة. في هذه الأثناء، تحاول الأطراف المختلفة في صراعها إما أن تدعم النهج الأمريكي أو أن تقف في وجهه، فالذي يدعم النهج الأمريكي هو الذي يمشي أكثر باتجاه الصراع، أما الذي يعارضه فهو يسير ضده باتجاه الحل السياسي السلمي. وبمجرد أن يتحول ميزان القوى ويصبح ظاهراً أنه مخالف للمصالح الأمريكية سوف تسير الأمور خلافاً للحرب. وبالتالي، نحن في اللحظة التي يسمونها عادةً «عنق الزجاجة» أي نقطة الانعطاف في هذا المنحني الذي نوجد فيه.
قيل في فترة من الفترات أن هناك ممثلاً للأخضر الإبراهيمي، وأن المعارضة السورية الداخلية تتردد باستمرار على المكتب، ما رأيك؟
لا أعرف شيئاً عن ذلك، ولكن في ما يتعلق بنا، فنحن ذهبنا عندما دُعينا، أي عندما أتى الإبراهيمي مرتين. أما عن الأخرين، فلا أعرف ولا أستطيع أن أؤكد أو أن أنفي هذا الكلام.
أستاذ علاء، ماذا تفعلون الآن كجبهة التغيير والتحرير؟
لقد تكلمت سابقاً أننا نعمل على الوثائق وقد أنجزت هذه العملية، وأعتقد أنه وخلال الأيام المقبلة سيكون هناك إما مؤتمر صحفي أو سيتم نشرها في وسائل الإعلام. كما أن المعارضة تحاول الآن أيضاً أن تتصل ببعضها البعض، ويوجد «نَفَسٌ» لدى المعارضة الداخلية باتجاه التجميع، وما يجري الآن هو لقاءات استكشاف أفق وإمكانية لقاء أو تجميع للقوى الوطنية. هذا ما يجري الآن، ولا أستطيع القول إنه سيتم ولكن الأمور إيجابية، حيث كانت نتائج اللقاءات التي أجريناها تقول إنه يوجد إمكانية من حيث المبدأ لتلاقي أو تقدّم المعارضة الداخلية باتجاه بعضها البعض.
ما الذي تتفق عليه ولا تتفق عليه؟
الاتفاق في القضايا الكبرى سهل، بمعنى أن المعارضة الداخلية كلها متفقة تقريباً على رفض التدخل الخارجي ووقف العنف وعلى حل سياسي وضرورة إجراء تغيير جذري شامل، وجملة هذه المسائل والقضايا الكبرى. لكن الإشكاليات تتعلق بالجانب التالي، فمثلاً يقول أحدهم إن الحل لا يتم إلا من خلال مؤتمر جنيف، ويقول آخر لماذا التمسك بمؤتمر جنيف، فمن الممكن وجود مسارات أخرى دولية وإقليمية وداخلية، ولماذا التوقف عند هذا الموضوع. وثالثٌ يقول أن الحل داخلي فقط، وإنه يجب أن يتم داخل سورية مع القوى السورية، أي نظام ومعارضة دون تدخل أحد، ونقاشات من هذا النوع، ولها مبرراتها بالمعنى السياسي.
ماذا تقولون أنتم في جبهة التغيير والتحرير؟
نحن نقول إن جنيف هو مؤسسة ينبغي الحفاظ عليها، ولكننا لسنا ضد أي مسار آخر يؤدي إلى النتيجة نفسها، سواءً كان دولياً أو إقليمياً أو داخلياً.
هل تراهنون على المسار الداخلي، أي على ما هو مطروح الآن حول مؤتمر حوار وطني؟
الحقيقية لا يوجد شيء مطروح الآن، أسمع مجرد كلام مثلك، ولكن عندما تسأل لا تجد شيئاً. ثانياً، الإشكالية الكبرى هي مستوى الثقة بين الأطراف السياسية مع النظام وبالتالي المطروح هو أي حوار سواء دولي أو إقليمي أو داخلي إن لم يكن هناك ضمانات لتنفيذ ما يتم التوصل إليه فلا معنى للذهاب لهذا الحوار. بمعنى المطلوب أن يكون هناك راع وضامن، يضمن تنفيذ النتائج، هذه هي الفكرة الرئيسة ونحن مع هذا الكلام. إذا كنا سوف نتفق فبالتأكيد يجب أن يتم تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه وإلا لا داعي لكل هذه العملية، الأمور ضمن الأخذ والرد في هذا المجال، ولكن حقيقة أنا لا أرى إلا كلاماً في كلام ولا يوجد شيء حقيقي حول حوار داخلي، لأنه بالأساس يفترض بالحوار الداخلي أن يكون فيه طرفان، معارضة ونظام. بعض أطراف المعارضة تتكلم في هذا الموضوع ولكن عند النظام لا يوجد شيء، ولم أسمع شيئاً حول حوار داخلي.
أستاذ علاء كل أطياف المعارضة تقول وتتبنى بشكل أو بآخر الرأي القائل إن هناك أطرافاً دولية وقوى دولية تسعى إلى إطالة أمد الأزمة السورية، هذا ما نتحدث عنه منذ ثلاث سنوات ونحن نسمع وربما نتداول أو نتحاور، ألا يعد مساهمة قد لا تكون مقصودة بإطالة أمد الأزمة؟
لا، النية والفعل هو تقصير الأزمة، ولكن بما أنه لا يوجد نتائج، الأزمة لن تحل إلا بتوفر كل مقومات حلها المتعلقة بجملة من المسائل. أولاً، إن الأطراف التي تساعد العنف يجب أن تصل إلى قناعة أو تجبر على منع مساعدة العنف، وهذا ليس بيد المعارضة الداخلية بالحقيقة، أي إذا لم يصل الأمريكيون إلى قناعة بوقف تمويل السلاح وتنشيط العمل المسلح بسورية، فلن تفتح أبواب الحل السياسي بالمعنى الدولي. وداخلياً رغم صعوبة الموضوع ولكنه أسهل الأمور عملياً، بمعنى أن السوريين سيتناقشون ويتفقون ويختلفون على أشياء يجري الذهاب بها إلى صندوق الاقتراع، أو استفتاء أو أي طريقة من الطرق، ويحلها الشعب السوري.
تشابكت الملفات الإقليمية أكثر مما كانت متشابكة، كنا نقول قبل أن يفعل تنظيم داعش ما فعله بشمال سورية، وشمال العراق، إنه لم تكن هناك أزمة بالمعنى الذي نعرفه اليوم، ولم يكن هناك عدوان إسرائيلي على غزة، كنا نقول هذه الملفات المتشابكة، ربما تشكل حزمة واحدة أيضاً للخروج بحل للأزمة السورية؟
الملفات ليس بعيدة عن بعضها، بالأساس نحن في سورية والعراق والأردن وفلسطين ولبنان، هذه الدول هي نتاج معاهدة كان اسمها سايس بيكو، وكلنا تعلمنا في المدرسة أن هذه الحدود هي مصطنعة وأن شعوب هذه المنطقة شعوب واحدة. ومع انفجار الأوضاع والأزمات، بدءاً من الحرب العراقية وأوضاع لبنان، انعكست بتأثير كبير على الجيران، سورية والأردن ودول الخليج. والأزمة السورية أيضاً أفرزت تأثيرات على دول الجوار. وبظهور تنظيم «داعش» تبين أن هذه مجموعة لها امتدادات وتستطيع أن تتحرك على طرفي الحدود السورية العراقية، إلى درجة نستطيع أن نقول معها إنه لا يمكن حل هذا الملف إلا بتفاهم سوري عراقي بالمعنى الشعبي والحكومي. وأريد أن أضيف أن هذه التنظيمات هي نتاج عملي لأزمة تعيشها تحديداً الولايات المتحدة التي تدعمها بطبيعتها الفاشية، وهي تقوم بدعم هذا التنظيم، وتنظيم يشبهه في أوكرانيا، كما دعمت سابقاً بعض التنظيمات في أمريكا اللاتينية وغيرها من أجل محاولة التحكم. وهم مضطرون لمغادرة المنطقة ويعلمون أنهم سيخرجون، لذلك فهم يحاولون ترتيبها بطريقة محددة، فالإنجليز والفرنسيون دخلوا منطقة وقسّموها وخرجوا منها وتركوها بواقع محدد على أمل العودة إليها. وثانياً محاولة إيجاد وضع بمنتهى الصعوبة لخصومهم وأقصد الخصوم الإقليميين، إيران والروس والصينيين، الذين يشكلون عملياً الطرف الداعم لهذه البلدان، أي بتوريثهم مشكلة كبرى تربكهم لسنوات طويلة مع أعباء اقتصادية وسياسية على المدى الطويل.
إلى متى سيبقى هذا التحكّم الأمريكي بمصائر الدول، خاصة وأن الكثيرين يتفاءلون من واقع عدم وجود قطب واحد في المجتمع الدولي، إلا أن ذلك لا يبدو حاصلاً على الأرض حتى الآن!
الولايات المتحدة لم تعد قطباً أوحد، حقاً وفعلاً، ويمكن أخذ الأزمة السورية كدليل، حيث لم يتمكن الأمريكيون من تنفيذ ما أرادوه في سورية، صحيح أنهم أساؤوا إليها وساهموا بإيجاد أزمة عميقة قد لا ننجو منها بعشرات السنين، ولكنهم لم يصلوا إلى ما يريدونه تماماً بسبب وجود طرف آخر. وإذا أخذنا الفيتو المزدوج لأربع مرات كمثال بسيط فهو مؤشر على ذلك. وبالتالي، لم تعد الولايات المتحدة الدولة المهيمنة وستتحول في القريب ولكن ليس العاجل إلى واحدة من الدول الكبرى في غضون خمس إلى سبع سنوات من الآن. وتحاول كل من اليابان والهند الصعود إلى مصافِ الدول الكبرى. وإذا أردنا الحديث عن الدول ذات الوزن الكبير، فدعنا نعدّ الدول بمعنى ناتجها المحلي الإجمالي، فإذا كانت أمريكا رقم واحد والصين رقم اثنين واليابان رقم ثلاثة وألمانيا رقم أربعة وفرنسا رقم خمسة وبريطانيا رقم ستة أو سبعة وأعتقد أن الهند رقم ثمانية وروسيا رقم تسعة بالمعنى الاقتصادي، فستتحول الولايات المتحدة إلى واحد من عشرة لاعبين في العالم.
هل القول الفصل هو للجانب الاقتصادي؟
لا تستطيع أي من الدول أن تكون قوة سياسية وعسكرية كبرى إذا لم تكن قوة اقتصادية كبرى.
ولكن هناك من يقول إنه ليس بالضرورة أن تحولك القوة الاقتصادية إلى قوة سياسية كبرى!
لا، بل بالضرورة. فليس هناك قوة اقتصادية كبرى لم تتحول إلى قوة سياسية كبرى ما عدا اليابان في المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وهو أمر مؤقت حيث بدأت اليابان اليوم تتحرك وتتحول إلى دولة بالمعنى العسكري والسياسي، وبالنسبة للسبب الذي منعها من التحول إلى قوة عسكرية وسياسية هو الحظر الذي فُرض عليها بالمعنى العسكري والأمر ذاته ينطبق على ألمانيا سابقاً. وأعتقد أن هناك محاولات أمريكية لكسب حلفاء جدد عبر تحرير اليابانيين والألمان من مثل هذه المعاهدات. وبالتالي، واستناداً إلى اقتصاداتها، فستتحول هذه البلدان- موضوعياً- إلى دول كبرى، آخذين بعين الاعتبار وجود مواصفات أخرى. الاقتصاد هو أمر أساسي، ولكن هناك قضايا أخرى، فعلى سبيل المثال، روسيا ليست مجرد بلد كبير، بل هي إقليم جغرافي- سياسي أيضاً، بمعنى أنك إذا أغلقت حدود هذا البلد فإنه يتمكن من العيش، أي أنها ليست دولة كبرى فحسب بل «سوبر» دولة كبرى، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة، والصينيون قريبون إلى حد ما من هذا الأمر، أما اليابانيون والفرنسيون والألمان فلا يمتلكون هذه الصفة، وبالتالي ستتحول هذه الدول إلى دول الكبرى ولكن ليس بوزن الولايات المتحدة وروسيا أو الصين، إلا أن لهم وزناً وكلمة على النطاق العالمي في نهاية المطاف. أما الولايات المتحدة فستتحول إلى واحدة من سبع أو عشر دول كبرى، وهو ما سيُضعف عملية التحكم بالبلدان إذا لم تسر نحو التلاشي، بحيث أن كثيراً من البلدان ستصبح قادرة على إمساك زمام أمورها بنفسها نتيجة وجود عدة مراكز متناقضة في العالم، وسيسمح مثل هذا التعدد للكثير من الدول بالنجاة من هيمنة هذا البلد أو ذاك، وستصبح إمكانية المناورة بين المراكز جدية.
بالحديث عن مصائر الشعوب والدول، ما هو المصير الذي ينتظرنا كسوريين برأيك؟
إذا أردنا أن نأخذ الاحتمالات شيء وإذا أخذنا الآمال فهو شيء آخر. وإذا أخذنا الاثنين، فإني أرى أن سورية ذاهبة نحو تغيير حقيقي يسمح لها بالتطور السريع، لا للخروج من أزمتها فحسب، بل للخروج من حالة التخلف بأكملها. إن ما نشاهده رغم كل مآسيه وصعوباته، هو عملية تغيّر في العالم أجمع، فهناك اليوم نظام عالمي ينهار، ونرى أن نظام الاستغلال والاستعباد والنهب واستخدام القوة العسكرية باتت له نهاية اليوم. وبالتالي، فمستقبل سورية ينطلق من هذه النقطة، وإذا كنا نرى أن نظام الاستغلال والاستعباد هذا ذاهب إلى نهايته، فيحق لنا أن نفكر ونتأمل ونعمل على أن تذهب سورية باتجاه آفاق إيجابية تتخلص فيها من كل المسائل التي كانت تعيق تطورها، سواء من استغلال خارجي أو حتى ما يفرزه إلى الداخل من عمليات استغلال.
- يحكى أنه ستكون هناك حصة جيدة للمعارضة الداخلية في الحكومة (السورية المقبلة) هل سمعت بهذا؟
رسمياً لم يتحدث أحد. هناك تسريبات وأحاديث «فيسبوكية» وشيء مشابه. (..) واذا انطلقنا من الجانب السياسي أنا أقول إن الحكومة القادمة ستكون استمراراً للحكومة الحالية من حيث نهجها ومن حيث برنامجها، وبالتالي ليس هناك ما يمنع أن يكون فيها أشخاصها ذاتهم.
هل لديكم رغبة كمعارضة أن يكون لديكم حضور في هذه الحكومة؟
لا، نحن لا نعالج الموضوع بهذه الطريقة، بل نقول إنه إذا جرى الحديث معنا حول المشاركة في الحكومة فسنبحث ثلاث مسائل، الأولى ما هو البرنامج، الثانية ما هي الصلاحيات، الثالثة ما هو تكوين الحكومة، إذا توافقت هذه القضايا معنا فمن الممكن أن نشارك، أي إذا توافرت لدينا القناعة وإذا تم اتفاق حول البرنامج.
من الممكن حينها أن تتعرضوا للانتقاد وأن يقول البعض إنكم لم تعودوا معارضة!
هذا الموضوع لا يقلقنا ونحن نضع نصب أعيننا محاولة خدمة هذا البلد وهذا الشعب.
يجري الحديث عن حكومة تكنوقراط، وربما يكون رئيس الحكومة غير بعثي وربما مستقلا والبعض يقول إنه قد يكون أحد رموز المعارضة الداخلية وممثلاً لأحد أطيافها، فما الذي تتمنونه في حزب الإرادة الشعبية وجبهة التغيير والتحرير؟
نحن نتمنى أن تكون حكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة ولديها برنامج لمحاولة حل الأزمة وللسير بالحل السياسي قدر الإمكان، ولمكافحة الفساد وإيجاد حلول للمسائل الاقتصادية والاجتماعية التي تتعلق بأوضاع السوريين. أما ضمن إطار الواقع الحالي والحركة الاجتماعية القائمة، فإني في الحقيقة لا أرى إمكانية حصول تغييرات كبرى، وحتى حكومة تكنوقراط.. ماذا تعني؟
حكومة تكنوقراط تكون اختصاصية بمعزل عن الانتماءات السياسية والكتل البرلمانية.. نريد وجود وزير يعرف بالكهرباء في وزارة الكهرباء ويحل قضيتها ووزيراً للشؤون الاجتماعية يلمّ فيها، هذا ما يصنع الفرق في حكومة التكنوقراط...؟
لا خلاف، لكن لا أتحدث عن بنيتها التي ذكرتها والتي أعرفها، أنا أسأل ما هي حاجتنا إليها اليوم! وهل هذه هي المشكلة الحقيقية الآن، إذا تحدثنا عن الكهرباء، ولنفترض أن الأستاذ عماد خميس هو مهندس كهرباء- وأنا أعرفه شخصياً قبل أن يصبح وزيراً وهو من المهندسين الجيدين- ولكن هل منع هذا وجود مشكلات في وزارة الكهرباء؟ لا أظن. التكنوقراط موجودون أساساً في الوزارات، وليس الوزير من يقدم الحلول التقنية، بل هم من يقومون بذلك. لكن المهم هو هل الاقتصادي الذي يدير يميني أم يساري، هل هو يميني مع الليبرالية أم يساري ضدها.
ومن الممكن بناء على ذلك أن يقول أحد ما بأن د. قدري جميل كان نائباً اقتصادياً وبأننا «جربنا اقتصادياً يسارياً»، ونستطيع الرد على من يتساءل بهذه الطريقة بأن عليه مراجعة صلاحيات النائب الاقتصادي في سورية، حيث ليس له أي صلاحيات تقريباً.
ماذا عن الدردري؟ لقد هاجمته كل القوى اليسارية- والإرادة الشعبية تحديداً- عندما كان نائباً اقتصادياً، واليوم يقال ليس له صلاحيات، فهل هذا معقول؟!
نعم معقول، لأن الدردري كان جزءاً من فريق، هو يخطط والفريق ينفذ بما فيه رئيس مجلس الوزراء، أما في حالة د.قدري جميل، فقد قال بأننا لا نمتلك فريقاً اقتصادياً، أي أن ما يضعه ويرسمه قدري جميل لا ينفذ، بينما ما يضعه الدردري كان ينفذ.
لماذا؟
لأنه يتفق عمليا مع مصالح الفئات التي لها علاقة بالتأثير على القرار الاقتصادي.