المعركة الوطنية.. ضرورة المرحلة
أدخلت أحداث ذكرى نكبة فلسطين في 15/5/2011 بعداً جديداً على ما تشهده الساحات العربية من حراك هنا وثورات هناك، مما أعطى الصورة أبعاداً عميقة وخاصة على الوضع السوري...
الجدير بالذكر أن البعد الوطني كمعطى جديد، يدخل الساحة بقوة لا بسبب تغييبه في وعي الشارع السوري الذي يتبنى خيار المقاومة ويعتبر القضية الفلسطينية القضية المركزية والأهم في تاريخ الشعوب العربية، وإنما نتيجة لتشابك البعد الوطني مع أبعاد ومعطيات أخرى، حيث لا تزال الشعارات الوطنية اليوم تتلى بلغة خشبية ملتها الناس، مما خلق لديهم رفض هذه اللغة الوثنية، وباتت تلتفت أكثر إلى الأفعال الحقيقية التي تجعل من فلسطين قبلتها الأولى والأخيرة قولاً وفعلاً...
بات هذا الملف وللأسف الشديد، مثل كثير من القضايا، وجبة دسمة بين فكي مفترس لئيم لطالما وصفته اللجنة الوطنية ومنذ بداية الأحداث بـ(الاصطفافات المؤقتة)، مبينين في أحاديث ومقالات كثيرة خطورة هذا النوع من الاصطفاف على حراك الجماهير مما يهدد الحراك وكل أبعاده بخطر مرعب.
أوقعت هذه الاصطفافات الشارع بثنائيات وهمية متصارعة تفضي إلى تغييب الصراعات الحقيقية في كل الساحات، مما يجعل كل حراك يجري بشكل ماراتوني نحو خط النهاية، نهاية كل حلم في التغيير والتحرير!!
تمثلت أخطر نتائج هذه الاصطفافات في وضع فكرة المقاومة بين براثن فكي الثنائية (شعب – نظام) حيث يرى الكثير من معارضي النظام في الخارج أن المقاومة ورقة مناورة في يده منطلقين في ذلك من عدة نقاط:
أولها: مصالحهم الوطيدة مع الغرب الاستعماري وتبنيهم لهذا المشروع بكل سياساته سواء الاقتصادية - الاجتماعية منها (والمجسدة في الفكر الليبرالي والعولمة الاقتصادية)، أو في السياسة (فالحرية والديمقراطية شعارات وأشكال حكم لا مشكلة فيها ما دامت مفرغة من مضامينها وأبعادها الطبقية والوطنية) حيث تظل بعيدة كل البعد عن أحلام الفقراء والمناضلين من أجل العودة وتحرير الأراضي المحتلة...
وثانيها: اعتمادهم على فشل النظام السوري في التعامل مع مثل هذه القضايا، إما لعجزه تارة، أو لإتباعه إجراءات قاصرة (تكاد لا تخفى على أحد)، مطلقاً عبارات مكررة لطالما سمعها الشعب السوري، كأن يصرح احد مسؤولينا (بأن سورية تحتفظ بحق الرد).
كانت هذه الردود تشعر بنقص ما يتطلب معالجات حاسمة تاق إليها الشعب السوري، خاصة فيما يتعلق بقضية تحرير الأراضي المحتلة، فهذه القضية تبناها الشعب السوري منذ عقود فارضا على كل حكامه مبدأ المقاومة وعدم القبول بأي تنازل للكيان المغتصب.
أما فكرة الاحتفاظ بحق الرد الذي لطالما لم يكن حاسما لأسباب عديدة. ربما يكون أهم هذه الأسباب هو ممانعة قوى الفساد والنهب داخل النظام لهكذا خيار، هذه القوى التي استشرت به مؤخراً والتي ما تنفك تعبر عن نفسها في الأحداث الأخيرة بوقوفها في وجه فريق واقعي يدرك أنه لا بد من إطلاق ورشة إصلاحات عميقة لمنع الانفجار. ربما وبسبب الصراع بين هذين الفريقين كانت تخرج المحصلة على شكل: (الاحتفاظ بحق الرد).. وربما كان هذا الاحتفاظ لغاية في نفس يعقوب، فتسلح أيها المواطن السوري بصبر أيوب حتى ولو كنت تعلم أن هذه المرحلة لا تحتمل أي تأخير....
يتعامى أولئك المهمِّشون لفكرة المقاومة عن الروابط الهامة والضرورية لأبعاد كل ثورة يشهدها العالم العربي، أي الربط بين أبعاد ثوراته الاقتصادية - الاجتماعية، والسياسية الديمقراطية، والوطنية.
نسمع حينا تصريحات (معارضي سورية) بالمعنى الدقيق للكلمة، والتي تبني على فصل مبدئي ميكانيكي عنوانه أن (ورقة المقاومة تشكل مهرباً أو التفافاً على الداخل)، مدعومين بحملة تشنها العديد من الدول والحكومات الأوروبية بأشخاصها وأفرادها ومؤسساتها، ناهيك عن تصريحات حكومة الكيان الصهيوني ومنها - على سبيل المثال للنقد وليس على سبيل الحصر وذلك لتشابه كل هذه التصريحات- تصريح المحلل السياسي الألماني «شتيفان بوخين» والذي تساءل في حديث لموقع دوتشيه فيله بأنه: (كيف يمكن لزعيم حركة حماس خالد مشعل الذي يمثل الثورة بنفسه وينادي بالمقاومة على الظالم أن يبقى في أحضان نظام يستخدم الورقة الفلسطينية لصرف الأنظار بعيدا عن أزمته الداخلية)، ويعود هذا المحلل ليختم بالقول (من الواضح أن النظام السوري يحاول التقاط أنفاسه ولو لوقت قصير وإقناع الجماهير بأن القضية الأولى هي الصراع مع إسرائيل لا الصراع الداخلي في سورية ولكن الربط بين الثورة في سورية والقضية الفلسطينية لا يخدم الثورة السورية ولا يخدم القضية الفلسطينية).
يغدو الرد بديهيا على البعض (في داخل وخارج سورية)، والذين يرون أن المقاومة ورقة في يد النظام السوري يستخدمها لتخدير شعبه، فما هي مبررات العقوبات المفروضة على محور الممانعة (سورية - إيران) لولا أنهما الداعمان الأساسيان لحركات المقاومة في المنطقة، حيث بدأ فرض مسلسل عقوبات دولية في أولى حلقاته منذ عام 1979، وبناء عليه وضعت وزارة الخارجية الأمريكية سورية حينها على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وفرضت عندها عقوبات على ضبط تصدير السلاح، ولاحقاً حصاراً اقتصادياً. بالإضافة إلى ذلك فإن بوخن وأمثاله من دمى الخارج والداخل، يتناسون بشكل أو بآخر، أن قضية الأراضي المحتلة هي قضية مطلبية تعبر عن نبض الشعوب العربية، ولا يستطيع أي نظام المساس بها باستثناء حلفائهم من الأنظمة العربية العميلة..
إن دخول البعد الوطني اليوم إلى الشارع، لا يعني مطلقاً إبعاد المطالب الأخرى أو تحييدها، لكنه يشكل بوصلة حقيقية لهذا الحراك، ويحقق حماية له من راكبين غير وطنين مختبئين خلف شرعية الحركة الشعبية.
أما بخصوص الممانعة، فتفرض الضرورة اليوم رفع مستوى المقاومة إلى أقصى درجاتها، ولا سيما المقاومة الشعبية، والتي تبنى على رفع قوة الشعب ومنعته الداخلية المرتكزة على الأعمدة الثلاثة: العدالة الاجتماعية، والحريات الديمقراطية، والذهاب بالمعركة الوطنية إلى أقصاها.. مما يحتم على كل البرامج الإصلاحية التي تحمل في خلفياتها فكرة الممانعة، أن تراعي ضرورات المرحلة الحالية في الانتقال إلى وضع يكون فيه الشعب هو صاحب زمام المبادرة، وكلمته العليا الداعية إلى تلبية حاجاته لا تعدو إلا كونها ضرورات ملحة أكثر من أي وقت مضى للاستمرار في عملية الممانعة والمقاومة، والتي تستدعي السرعة وليس أي تأجيل..