الطريق إلى الحوار الوطني..
أثبتت أحداث الشهر الماضي بما لا يقبل الجدل أن الحل الأمني قد وصل إلى سقفه دون نتائج إيجابية على الأرض، وترافقت الأحداث الجارية بتصريحات رسمية حول حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية، ظهر منها حتى الآن جزء يسير، وما يزال الجزء الأكبر رهناً لعمل لجان، منها ما تم تشكيله، ومنها ما ينتظر.. وترافق الحل الأمني والحديث الإصلاحي مع كلام كثير عن ضرورة الحوار الوطني، ولم يأت هذا الكلام على شكل الحوار أو أطرافه أو جدول أعماله، لكنه بقي مقتصراً على دعوات تطلقها شخصيات معارضة وأخرى موالية دون دور فاعل للنظام في تبني الحوار وإدارته بصورة ممنهجة وعلنية، الأمر الذي جعل من الحوار حاشية في الجرائد الرسمية وغير الرسمية لا تغني ولا تفيد..
يمكن تفسير تعويم فكرة الحوار وتحويلها حتى الآن إلى كلام جرائد بوجود مجموعة تريد فرض معادلاتها على الأرض، ومن ثم الذهاب إلى الحوار من موقع المنتصر، وهذا ما قد يفسّر المبالغات الأمنية، ولكن لا يبررها على الإطلاق، بل يمكن أيضاُ وضع الإصبع بوضوح في وجه أصحاب الحل الأمني البحت وحيد الجانب على أنهم يعكسون فعلياً مصالح قوى الفساد الكبير التي تشكل اختراقاً حقيقياً في جهاز الدولة، وخاصة في الأجهزة الأمنية.. ولكن أياً كان من بالغ بالحل الأمني فإنه لا بد أن يفهم اليوم أن هذا الحل لا يعني إلا تعقيداً للمشكلة وأخذاً للبلاد إلى المجهول الذي نعلم منه حتى الآن خرائطه الأمريكية- الصهيونية بخطوطها العريضة.. وإن لم يفهم فيجب الضرب على يديه وعدم الاكتفاء بعصي الكهرباء أو بالكابلات الرباعية في مواجهته، بل الوصول إلى محاكمته بتهمة الخيانة العظمى. هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فإن شعار إسقاط النظام هو الآخر معيق حقيقي للحوار، فلا يمكن لأحد الحديث عن حوار وطلب إسقاط المحاور في الوقت عينه، وإن كانت القاعدة الموضوعية لرفع المتظاهرين لشعار إسقاط النظام ممكنة الفهم على أساس عاملين أساسيين هما: المبالغة الأمنية غير المبررة من جهة، ومحاولات ركوب البعض على الحراك الشعبي وتعزيز مزاج الهدم بين الناس على أساس التحريض العاطفي والمستند إلى كمية الدماء التي سفكت، من جهة أخرى..
لذا، وللتوجه نحو حوار وطني حقيقي، ينبغي بداية إيقاف الطريقة الأمنية في معالجة الحدث، والتوقف عن التعاطي مع كل ما يجري على أنه مؤامرة خارجية وفقط. وبالمقابل يجب سحب شعار إسقاط النظام من الشارع والتوجه نحو مطالب ملموسة سياسية واقتصادية ووطنية، ولعل ما سبق هو الخطوة الأولى وحسب، والخطوات التالية تقع مسؤوليتها الأساسية على النظام السوري الذي يجب عليه فتح باب الحريات والإسراع بقانون الأحزاب والانتخابات الذي يجب أن يكون في سوية متقدمة تتناسب مع عمق الأزمة ومطالب الناس، ويتجاوز في كل مناحيه وبنوده القانون القديم ليفتح أمام الناس إمكانيات التمثيل الحقيقية بما يخدم مصلحة سورية والسوريين جميعاً دون أي تمييز من أي نوع.