المادة الثامنة.. واستقلال النقابات
ينص دستور الجمهورية العربية السورية الدائم في المادة الثامنة منه على أن:
(حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية).
وهذه المادة كانت قد ولـّدت مواد أخرى في القوانين المختلفة لتنفيذ مضمونها وتحقيق مرادها، فقد نصت المادة الرابعة من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أن:
(تعمل نقابة المحامين بالتعاون مع الجهات الرسمية والشعبية في القطر العربي السوري، وبالتنسيق مع المكتب المختص في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي على تحقيق الأهداف...).
في حين نصت المادة الثانية من القانون ذاته على ضرورة استقلال النقابة مالياً وإدارياً، فيما لم تذكر المادة شيئاً عن استقلال النقابة قانونياً وسياسياً ومهنياً، مما أدى – حسب رأي بعض كبار المحامين – إلى تبعية نقابة المحامين بخاصة، وبقية النقابات بعامة، إلى الرأي الرسمي الحكومي، بغض النظر عن ضم تلك النقابات لمختلف أطياف الشعب ومختلف انتماءاتهم .
وفيما يقتضي اليوم الحديث عن الحوار، وسماع الرأي الآخر، وقبوله، وجود تنظيم قانوني داخلي يساعد على حشد تلك الآراء، ومنحها البيئة الملائمة لنموها وطنياً وقانونياً!
كيف قد يتم الحديث عن آراء متباينة، وما تزال النقابات كافة غير مستقلة في قرارها، وتوجهها، وبيانها؟!
كيف يحتمل من نقابة تضم على الأقل، اثنين وعشرين ألف محام، يمثلون بآرائهم وتوجهاتهم أشكالاً ونوعيات متباينة من رقعات هذا الوطن الذي يتسع للجميع، أن يعبروا؟!
كيف يتم ذلك وهم ما زالوا يعملون سياسياً وحقوقياً بإطار الفكر الواحد والحزب الواحد!
كيف نرتجي حواراً من أو مع نقابي يتوجب على نقابته أن تحميه مهما كان رأيه، طالما أنه يتكلم تحت سقف الوطن وسقف القانون وسقف الأخلاق؟! في حين أن نقابته نفسها ليس لها أن تتكلم إلا بالتنسيق والتوجيه من صاحب الرأي الواحد!
هل من المقبول أن تبقى النقابات تعمل بذلك التوجيه، أو بذلك التنسيق، أو بذلك الترتيب المسبق، الذي فرضه القانون والدستور في مرحلة معينة؟!
أم هل من المقدر أن تبقى النقابات على مختلف مسمياتها وأشكالها تابعة بشكل أو بآخر لأي حزب، أو تجمع أو رأي؟!
إن لم تكن النقابات اليوم مستقلة فمن سيعبّر عن الرأي والرأي الآخر!
إن لم تكن النقابات مستقلة اليوم فمتى ستكون؟!
هل يكفي أن نتحدث اليوم عن الحوار دون أن نمارس أولوياته؟!
ولعل من أولوياته اليوم البدء بتحقيق استقلالٍ حقيقي للنقابات، وتحقيق ضمانة لحرية رأيها، دون رقيب أو توجيه، أو تنسيق!!
استقلال النقابات ابتداءً.. هو الضمانة للبدء بالحوار الوطني الشامل، الذي لا شك قد طال انتظاره!!