من الدفاع.. إلى الهجوم
يتصاعد في هذه الأيام، بوتيرة سريعة، التلويح بالتدخل الخارجي ضد بلدنا سورية، وصار واضحاً أن ما تخططه الدوائر الأمريكية- الصهيونية والرجعية العربية وصل إلى مرحلة خطيرة جداً، سبقتها محاولات فاشلة عديدة لأخذ سورية من الداخل أو من الخارج، إلاّ أن ما يجري الآن هو محاولة كسر عظم لابد من مواجهتها والإعداد لتحقيق الانتصار فيها مثلما انتصرت المقاومة في حرب تموز 2006.
إن المؤامرة الخارجية كانت وما تزال موجودة، وستتعاظم ما بقيت الإمبريالية والصهيونية، وخصوصاً في ازدياد تعمق أزمة النظام الرأسمالي على المستوى العالمي، وهذا الوضع يجعل مهمة تحصين الوضع الداخلي في مواجهة المؤامرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وديمقراطياً مهمةً رئيسية لا تقبل التأجيل.
إن الشحن الطائفي استند إلى إراقة الدماء من جانب أفرقاء كثر، موجودين في كل مكان، هدفهم إضعاف الوحدة الوطنية وتهديد الوطن بالتفتيت، وبالتوازي مع ذلك خلق مناخ للتدخل الخارجي بأشكاله المختلفة، وعبر أدوات عرفنا كيف تصاعدت عشية غزو العراق وما يحدث الآن في ليبيا بحجة «حماية المدنيين».
من هنا، كان شعارنا «نعم للوحدة الوطنية، لا لإراقة الدماء» عبر ملاقاة الحركة الجماهيرية وتحقيق مطالبها السياسية والاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية، وعزل كل المشبوهين الذين حاولوا ركب موجتها من تكفيريين مسلحين وغير مسلحين، وأزلام سعد الحريري وعبد الحليم خدام ورفعت الأسد، وكل المرتبطين بأجندات خارجية، الذين يستنجدون ويتوسلون التدخل الأجنبي من عواصم الغرب الاستعماري.
إن أقرب طريق للوصول إلى تحصين الوحدة الوطنية الآن، ومواجهة العدوان الأمريكي- الصهيوني المرتقب يكمن في الآتي:
1 – طرح موضوع تحرير الجولان على الشعب كمهمة وطنية جامعة وملحة في مواجهة رموز الشحن الطائفي ومحاولات إعادة المجتمع السوري إلى ما قبل قيام الدولة الوطنية، وفي مواجهة العدوان الذي يلوح في الأفق، وأخذ زمام المبادرة عسكرياً، وعند ذاك ستنتقل سورية بشعبها مع كل تاريخه الوطني والكفاحي من موقع الممانعة إلى قيادة المقاومة في كل هذا الشرق العظيم، وسيزداد آنذاك دورها الإقليمي خصوصاً بعد التغيرات في مصر، وبروز إمكانية عودة دور حركة التحرر الوطني العربية مدعومة بعودة الجماهير إلى الشارع، وازدياد النهوض الشعبي ضد النظام الرجعي العربي وضد الإمبريالية والصهيونية.
2 – الإطاحة برموز الفساد الكبير داخل وخارج جهاز الدولة، وتحويلهم إلى القضاء ومحاكمتهم علناً وفوراً، لأنهم حليف أساسي لأعداء الخارج مثلهم مثل رموز الشحن الطائفي وتفتيت الوحدة الوطنية وإضعاف دورها على الأصعدة كافة.
3 – إعلان القطع النهائي مع السياسات الليبرالية الاقتصادية، والتي تسببت بالأزمة التي تمر بها البلاد، لأن أصحابها موضوعياً كانوا حلفاء حقيقيين لقادة «الفكر التكفيري» من خلال تقديم جمهور المهمشين وكل الذين أفقرتهم تلك السياسات الليبرالية المتوحشة، ليكونوا حطباً ووقوداً وضحايا لمخططات وأهداف تتناقض مع الوحدة الوطنية.
4 – إن معالجة الوضع الراهن في البلاد يجب أن تكون معالجة سياسية- اقتصادية- اجتماعية بالأساس، تضمن تعزيز الوحدة الوطنية وتخفيض منسوب التوتر الداخلي والخارجي، وإذا كنا من حيث المبدأ لسنا ضد المعالجة الأمنية المدروسة، وخصوصاً عندما تظهر خلايا نائمة هنا وهناك مسلحة أو غير مسلحة، فإننا نؤكد أن المعالجة الأمنية لا يمكن أن تحل القضايا السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية، إضافةً إلى أن حملة الإرهاب الإعلامي العربي والغربي ضد سورية الآن تحاول ليس خلق انطباع مضلل بعدم وجود مسلحين إرهابيين قتلوا العشرات من الجيش وقوات الأمن والمدنيين فقط، وخصوصاً في الأيام الأخيرة، بل استغلال المعالجة الأمنية لإضعاف الوحدة الوطنية وتهيئة المناخ لـ«استدعاء التدخل الخارجي» بشكل متدرج، وهذا ما يجب العمل سياسياً ضده عبر تعبئة قوى المجتمع على الأرض للدفاع عن الوطن وكرامة المواطن.
5 – إن مواجهة التهديدات الخارجية والتصعيد غير المسبوق ضد بلدنا سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً، والذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها من صهاينة وحكام عرب، تقتضي من القيادة السياسية عدم وقف الإصلاحات السياسية والاقتصادية والديمقراطية التي حولها إجماع وطني، الشيء الذي سيعزز الوحدة الوطنية ويعبئ قوى المجتمع ضد المخاطر التي يواجهها الوطن داخلياً وخارجياً.
إن جملة عناصر هذه المعالجة من شأنها الانتقال بسورية من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم على كل الجبهات، وفي ذلك ضمانة لوحدة الشعب والأرض وكرامة الوطن والمواطن.