أمراض سورية..
أمين عليا أمين عليا

أمراض سورية..

مع دخول الأزمة السورية دوامة العنف والعنف المضاد، ومع وصول أوهام «الحسم العسكري»، أو «إسقاط النظام» إلى طرق مسدودة، تشكلت رغبة محقة وقناعة عند قطاعات واسعة من الشعب السوري والقوى السياسية والاجتماعية، أن الحوار والحل السياسي هو ضرورة وطنية مستعجلة لوقف نزيف الدماء. إلا أن مكابرة بعض الأطراف، من النظام أو المعارضة، وسعيهم إلى قطع الطريق على الحلول العقلانية والسلمية، ما الهدف منه إلا إدامة الاستعصاء، وعرقلة إمكانية التغيير.

فالنظام في سورية، سعى منذ بداية الأزمة وحتى الآن، إلى الترويج لنظرية المؤامرة، والحل الأمني والعسكري، هذا ما راحت تعيده علينا مراراً وتكراراً وسائل الإعلام الرسمية، بتقاريرها اليومية ولقاءاتها التحليلية، محاولةً بتضخيم دور«المؤامرة»، الابتعاد عن المسببات الحقيقية للأزمة، بالإضافة إلى التغطية على ظاهرة الفساد الذي أنهك مفاصل جهاز الدولة، كما تحاول تقويض دور أية قوة وطنية تحمل برنامجاً للحل السياسي. ناهيك عن الدعوات والمطالبات المتكررة المنادية بالحسم العسكري، والتقارير الإعلامية عن حملات «التطهير»، لتصبح متابعة تلك القنوات أشد وطأة على المشاهد من أصوات الرصاص والقصف شبه اليومي. إن التعاطي الإعلامي الرسمي مع الأزمة السورية، هو أزمة بحد ذاته، فقد لا نجد فرقاً في التأثير، بينه وبين وسائل الإعلام العربية والغربية التي تسعى من جهتها إلى توتير الأوضاع وتعميق الجراح. فمشهد إحدى مذيعات قناة «الدنيا» وهي تجري لقاءاتٍ مع ضحايا مجزرة داريا، لا يثير الغضب والاشمئزاز وحسب، وإنما يضعنا أمام حقيقة أن البشر لم يعودوا سوى سلعة رخيصة لدى قنوات الإعلام، وأرقام حسابية تدخل في إطار اثبات فكرة أو طرح معين. فلو استطاعت تلك المذيعة إحياء الموتى، ليخبروها عن جرائم «المجموعات الإرهابية» لما قصّّرت، إلا أنها اكتفت باستنطاق بعض الجرحى والأطفال وهم في حالة يرثى لها.

كما تذهب بعض وسائل الإعلام إلى اثبات أن ما يجري في سورية، لا علاقة له لا بالفساد المتراكم عبر السنوات الماضية، ولا بعمليات النهب الممنهجة للقطاع العام، ولا بتردي الحالة الاقتصادية والديمقراطية للمواطن السوري، إنما هي «المؤامرة»!. هكذا حاولت مذيعة أخرى على قناة الإخبارية السورية أثناء مقابلتها التلفزيونية مع الدكتور قدري جميل أن تقوض سبل التغيير، فتراها مُخفيةً سعادة ما لدى سؤالها عن استمرار تردي الوضع المعاشي، محاولة بشكل أو بآخر، إلقاء اللوم على الدكتور قدري، باعتباره وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك من جهة، وشخصية معارضة من جهةٍ أخرى، ساعيةً بذلك إلى خلق حالة لدى المشاهد، أن الوضع سيبقى كما كان، وأن الفساد ظاهرة طبيعية، لا أحد قادر على اجتثاثها، وبالتالي علينا أن نعتاد عليها. إن الاستمرار بهذا المنطق المستهتر في معالجة الأزمة السورية، سيودي حتماً إلى نتائج كارثية، فالاقتصاد السوري لن يقوى على تحمل المزيد من النكسات والاضطرابات، وعلى حد تعبير د.قدري جميل في المقابلة ذاتها، أن التأخر في الذهاب إلى الحل السياسي والحوار الوطني، سيعرض الاقتصاد السوري خلال أشهر قليلة إلى الإصابة بـ«السكتة القلبية». 

وعلى المقلب الآخر، نجد أن بعض قوى المعارضة تلعب دوراً في عرقلة الحل السياسي. فهيئة التنسيق، على سبيل المثال، لا تزال تتمهل السير في اتجاه الحوار، من خلال دورها في الوقوف بوجه بلورة الطرف المعارض، وهي الحجة التي يسوقها النظام في تلكئه بالتوجه نحو الحوار، فعلى حسب زعمه (من سنحاور؟). وعلى الرغم من قيام هيئة التنسيق بالدعوة إلى مؤتمر للمعارضة السورية في الداخل، إلا أنها رسمت حدوداً لتلك المعارضة، مما يتفق مع أهوائها، منتهجة بذلك عقلية إقصائية لاتختلف بجوهرها عن عقلية «المادة الثامنة» في الدستور القديم. 

ويبقى المواطن السوري هو الخاسر الأكبر أمام ما تعانيه بلاده من أحداثٍ دامية، وجراحٍ عميقة، يزيد من التهابها استهتار بعض الأطراف المعنية بايجاد الحل، واستغلال البعض الآخر لمآسي الناس، ليتاجر بها كيفما شاء. لذا يصبح لزاماً على كل السوريين الوطنيين والشرفاء السعي للتخلص من جميع  أنواع الدهون والشحوم القاتلة في الجسد السوري، من فسادٍ وإقصاء وعنف، لتفادي الإصابة بـ«سكتةٍ قلبية» تودي به إلى التهلكة.