إفتتاحية قاسيون العدد 569: التوافقات المطلوبة
شكل الاجتماع التشاوري والذي عقد ما بين 10-12/7/2011 نقطة علام هامة في فصول الأزمة السورية العميقة, فرغم مقاطعته وانتقاده من بعض القوى والأطراف المتشددة في المعارضة. وهجوم من بعض قوى النظام على نتائجه في حينه, فقد اكتسب هذا الاجتماع أهمية بالغة.
وتنبع أهميته من أنه قد حدد وبوقت مبكر أن الشكل الوحيد الحقيقي والممكن لحل الأزمة السورية هو الحوار, حيث كانت أول توصية من توصياته تقول: إن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد لإنهاء الأزمة.
واليوم وبعد مرور أربعة عشر شهراً على هذا الاجتماع, تلوح في الأفق فرصة لإطلاق الحوار الوطني. بعد أن قطعت البلاد للأسف الشديد طريقاً وعرة ومعقدة ودامية اقترنت بتدخل خارجي غير مباشر على أوسع نطاق أدى لتصاعد العنف إلى مستويات خطيرة جداً, وترافقت بمحاولات للتدخل العسكري المباشر جرى إيقافها بالفيتو الثنائي الروسي الصيني ثلاث مرات.
إن ما شهدته البلاد خلال الفترة الماضية قد أوصلها عملياً إلى حافة الكارثة الإنسانية والاقتصادية, كما تضررت وحدة البلاد الوطنية بطريقة لم تعرف سورية لها مثيلاً في تاريخها, ومازال نزيف الدماء السورية مستمراً.
إن الإجتماع التشاوري قد دخل البلاد كفرصة ضائعة لحل الأزمة السورية في وقت مبكر من ظهورها, لو طبقت توصياته وتم السير نحو حوار وطني شامل, هذه الفرصة والتي تلاها فرص عديدة ضاعت نتيجة سلوك المتشددين في الطرفين, ما أدخل البلاد في دوامة العنف المتصاعد.
واليوم يقتضي استغلال الفرصة التي تتهيأ فإمكانية التخلي والقطع مع كل أشكال التشدد التي برهنت الحياة أن ميزان القوى في محصلته لا يسمح بها. وأن تطورات الأحداث على الأرض يتجه نحو عزل المتشددين, تمهيداً لزوالهم من الخارطة السياسية للبلاد.
ولا يخرج عن ذلك عقلية الإقصاء لدى بعض أطراف المعارضة الوطنية, هذه العقلية الإقصائية التي تمثل في جوهرها جانباً من جوانب التشدد الذي ينبع من عدم الرؤية الواقعية لميزان القوى الحقيقي.
إن الذهاب للحوار يعني تبلور طرف محاور معارض له أرضية في المجتمع وهذا الطرف ليس مطلوباً أن يكون موحداً برنامجياً, وإنما المطلوب منه أن يمثل توافقات تسمح بتكوينه. فما هي المبادئ والتوافقات المطلوبة ضمن ظروف وأوضاع المعارضة الوطنية السورية؟
إننا نرى أن ما هو مطلوب من حيث المبادئ, هو:
1- رفض التدخل الخارجي, ورفض العنف, ولا شروط على الحوار.
2- القضية الوطنية قضية جامعة، وقضية تحرير الأراضي المحتلة مسألة مبدئية لا حياد عنها.
إن التوافقات المطلوبة في الحدود الدنيا لتكوين الطرف المعارض المحاور:
1- المصالحة الوطنية بكل مفرداتها ضرورة آنية لحل الأزمة القائمة, وتتضمن :
_ معالجة ملف المعتقلين والموقوفين والمفقودين.
_ التعويض على المتضررين.
_ معالجة ملف المهجرين بكل تفاصيله.
_ محاسبة كل من تجاوز القوانين وكل من أراق الدم السوري.
_ الحوار.
2- عدم استثناء أحد أو أي طرف من الأطراف السياسية الرافضة للتدخل الخارجي وللعنف.
3- في الحوار الوطني يتم طرح كل القضايا للحوار والنقاش, ومن حق كل طرف مشارك طرح ما يريده وما يراه في أية قضية من القضايا, الحوار علني وعلى الإعلام مباشرة.
4- ارتباطاً بنهج الحوار, فإن التغيير القادم, يجب أن يكون سلمياً ويؤدي لنشوء نظام ديمقراطي تعددي.
5- الحوار يجب ألا لا يقتصر على القوى السياسية القائمة, بل يجب إشراك قوى المجتمع فيه, بما في ذلك, إشراك ممثلي الحركة الشعبية.
6- إن ما يتمخض عنه الحوار من نتائج يحسمها الشعب السوري عبر استفتائه عليها.
7- إن الحوار هو حوار وطني شامل مهمته إيجاد وبلورة حل للأزمة الوطنية، وهذا الحل يجب أن يكون حلاً سورياً وبيد السوريين, أما دور الأصدقاء والمجتمع الدولي فهو دور مساعد فقط.
إن الحوار الوطني الشامل ونتائجه, هو الطريق الوحيد للخروج الآمن من الأزمة الحالية وبناء سورية الجديدة.