حكومات «الربيع العربي» وتصدير القاعدة..
شكلت الأزمة السورية، بمدى تعقيدها واستعصائها، أرضاً خصبة لكل أنواع التدخلات الخارجية، وفتحت أبواب الاختراقات العسكرية والاستخباراتية على مصراعيها. فمنذ ما يقارب العام، خرج علينا زعيم تنظيم القاعدة الجديد «أيمن الظواهري»، مبشراً بقدوم الموت إلى هذا البلد تحت راية الجهاد، داعياً أفراد تنظيمه العتيد بالتوجه إلى سورية، لنصرة إخوانهم في الدين على حد تعبيره. جاءت تصريحاته تلك لتكون مكمّّلة لجملة التهديدات والوعود الأمريكية- الغربية بتقديم «المساعدات» للشعب السوري، فقد بدأ«السلاح الملتحي» بالتوافد إلى سورية من كل حدبٍ وصوب..
الدمية الأمريكية..
لقد كان تنظيم القاعدة تاريخياً بمثابة اليد اليمنى للولايات المتحدة الأمريكية، ولو أُعلن خلاف ذلك، منذ المعارك في أفغانستان، حيث كانت بداياته الأولى في القتال ضد التواجد السوفييتي والحكومة الشيوعية أنذاك، ولم توفر الولايات المتحدة جهداً لإيصال الأسلحة والمساعدات لهذا التنظيم الوليد بالتعاون مع القوى الرجعية العربية، ممثلة بالسعودية، كما أسماهم الرئيس الأمريكي رولاند ريغان «مقاتلين من أجل الحرية». وبعد التخلص من شبح الشيوعية في أفغانستان، وسقوط الإتحاد السوفيتي، كان لزاماً على أمريكا أن تفرض سيطرتها الكاملة على المنطقة، في محاولة استباق الأزمة الاقتصادية التي بدأت بوادرها تلوح في الأفق، فجاءت تفجيرات برجي التجارة العالميين في 11 أيلول، التي أعلنت القاعدة مسؤوليتها عنها، لتستخدمها الولايات المتحدة كذريعة في حربها على «الإرهاب»، فكان غزو أفغانستان ومن ثم احتلال العراق، إلا أن ما جرى بعد ذلك هو انتشار واسع وتمركز لخلايا تنظيم القاعدة في عدة دولٍ عربية كاليمن والعراق وبعض دول المغرب العربي، وبذلك أصبح تنظيم القاعدة الحامل الأساسي والمطبق العملي لسياسة الفوضى الخلاقة التي خططت لها الإدارة الأمريكية.
القاعدة والربيع العربي..
انتعش تنظيم القاعدة بعد وصول الحركات الاحتجاجية في بعض الدول العربية إلى طرقٍ مسدودة، مثل ليبيا واليمن، ففي ليبيا ومع قيام حلف الناتو بعملياته العسكرية الجوية، كان يجري على الأرض إعداد وتنظيم الكوادر الجهادية التي ساهمت بتغذية النزاع المسلح، الذي عمل بدوره على تفتيت المجتمع الليبي. أما في اليمن، التي يتواجد فيها تنظيم القاعدة بشكل واضح منذ زمن، كان دوره الأساسي يتمحور في حرف الحركة الاحتجاجية اليمنية عن مسارها السلمي، الذي سيهدد بالمحصلة مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الخليج العربي ممثلين بمجلس التعاون الخليجي، وذلك من خلال سلسلة التفجيرات والاشتباكات المسلحة التي نفذتها عناصر القاعدة. وبعد كل مقتل من القذافي في ليبيا وتنحي علي عبد الله صالح في اليمن، تضخم دور تنظيم القاعدة حتى أصبح يشكل عقبة في وجه الحكومات الجديدة المصاغة على السجيّّة الغربية والأمريكية، فالوحش الذي تربى و ترعرع في أحضان أمريكا، صار مهدِداً لمصالحها في المنطقة.
وهنا كان لابدّّ من إجراء تأطير وإعادة انتشار لهذا التنظيم، فكانت الأولوية للساحة السورية بأزمتها المعقدة، حيث جرى تصدير المقاتلين العرب والأجانب إلى سورية بتسهيلات ومساعدات خليجية وتركية، والهدف من ذلك أولاً، التخلص من قطاعات واسعة من تنظيم القاعدة في البلدان التي انتهت مهمته فيها مؤقتاً كما خُطط له أمريكياً، والهدف الثاني هو إنهاك جهاز الدولة في سورية، فهؤلاء المقاتلون الوافدون هم على دراية واسعة بطرق قتال الجيوش المنظمة، بالإضافة إلى استخدامهم أساليب التفجيرات والعمليات الانتحارية، التي من شأنها زيادة الاضطراب ورفع منسوب الدم، ناهيك عن دور القاعدة بتعزيز التوتر الطائفي.
إن استمرار الاستعصاء في الأزمة السورية سيزيد من حجم التدخل الخارجي غير المباشر، الذي لن يبخل علينا بالمقاتلين والجهاديين القادمين بحثاً عن «الحور العين»، وبمسمياتهم المختلفة من «القاعدة» إلى«جبهة النصرة»، والذين صاروا يشكلون عبئاً على حكومات «الربيع العربي»، فيتخلصون منهم بإرسالهم إلى مهمة جديدة، ومن جهة أخرى يساهمون في إطالة أمد الأزمة وزيادة تعقيداتها، بما يخدم المصالح الأمريكية والغربية.