جولة جديدة لأعداء الحل السياسي..

جولة جديدة لأعداء الحل السياسي..

توالت الدعوات لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية عبر المصالحة الوطنية والحوار السياسي، كمبادرتي طهران وهيئة التنسيق الوطنية اللتين ترسمان الخطوط العريضة لبدء عملية إطلاق الحل السياسي، عبر وقف إطلاق النار من جانب كل أطراف الصراع، وإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، والذهاب لاحقاً إلى الحوار وتطبيق نتائجه. والحقيقة أن سيناريو الحل هذا ليس بجديد، فقد أُطلق سيناريو مشابه  في اللقاء التشاوري الذي جرى في دمشق 10 تموز من العام الماضي، وكان الوضع على الأرض أقل تعقيداً في حينه، وافق موقف المتشددين من الطرفين على رفض نتائج اللقاء التشاوري آنذاك، وتعرضت هذه الأخيرة لـ«إطلاق النار» من جانب الطرفين عبر تصعيد مستوى العنف والدماء في توقيت متزامن. اليوم وبعد مرور وقت طويل على آخر مبادرة حل سياسي، ومع عودة طرح الحل السياسي إلى الواجهة، يعود أعداء الحوار والحل السياسي إلى الواجهة، ولكن بوضع أشد سوءاً، إذ تنضج وبشكل متسارع ظروف الحل السياسي وتتحول إلى مطلب شعبي كبير..

ساهم تمدد المواجهات المسلحة في معظم المدن السورية في بلورة مطلب اسقاط السلاح، في أوساط المعارضة الشعبية، من خلال مظاهرات خرجت ضد التسلح في مناطق تحت سيطرة الجيش الحر، وفي أوساط الموالاة أيضاً التي تخشى التسلح أصلاً. ومطلب اسقاط السلاح مرتبط عضوياً بإطلاق الحوار والمصالحة الوطنية، الأمر الذي عكسه المؤتمر الصحفي للوفد الحكومي الذي زار موسكو مؤخراً، فقد لاقى ارتياحاً في الأوساط الشعبية، كونه عبّر عن رغبة جدية بالحل، بعيداً عن منطق التشكيك بالنوايا، وبعيداً عن الاتهامات المتبادلة بين النظام والمعارضة بعرقلة الحلول..

مثلما توحدت الجهود ضد نتائج اللقاء التشاوري سابقاً تضافرت جهود معارضة اسطنبول على قناتي الجزيرة والعربية، مع جهود الناطقين باسم قوى الفساد الكبير على قناة الدنيا، وأعلنوا رفض نتائج لقاء الوفد الحكومي مع وزير الخارجية الروسي، ولم يقتصر الموضوع على الرفض بل تجاوزه إلى الهجوم الموتور على منطق الحوار والحل، الأمر الذي يعكس مدى رعب تلك القوى من هذا الاحتمال، فما هو سبب هذا الرعب؟؟

للإجابة على السؤال ينبغي أن نعرف من هم أعداء الحل السياسي، ولنبحث عنهم في النظام والمعارضة، النظام: أولا هم أقطاب الفساد الكبير بالدرجة الأولى، أولئك الذين دفعوا سورية إلى اقتصاد السوق المتوحش والليبرالية الاقتصادية، المستفيدين من احتكارات الإنتاج الريعي ومن نهب القطاع العام، الذين سهّلوا وطبّلوا لدخول الاستثمارات القطرية والتركية.ثانياً: عملاؤهم داخل الأجهزة المختلفة للدولة، الذين لم يوفروا حتى ثمن إدخال المؤامرة إلى البلاد، عبر صفقات تغاضوا بها عن مرور السلاح والمال والإرهابيين إلى داخل سورية، وأطلقو النار في الوقت نفسه على الاحتجاجات السلمية.ثالثاً: أدواتهم السياسية والإعلامية التي تمتهن الزعيق على الشاشات وتجتهد في تبرير القتل والتطبيل له. أما في المعارضة: أولاً أعضاء مجلس إسطنبول القابعون في الأحضان الغربية والتركية والخليجية، الذين لا يجيدون سوى المطالبة بالتدخل العسكري الخارجي، ولا يتورعون عن الإيعاز لعملائهم في الداخل لإرتكاب أبشع الجرائم في سبيل استمرار ذرف الدموع على الشاشات. ثانياً: بعض المعارضين المتقلبين في الداخل الذين أعماهم الحقد على النظام وممارساته عن رؤية الصواب، فراحوا يتأرجحون ما بين الحقيقة وما بين ما يتعرضون له من ضغوط ذاتية وخارجية..

لقد تمت الإجابة على هذا السؤال أوتوماتيكياً بمجرد النظر في خريطة أعداء الحل السياسي، ويمكن إجمال ذلك بأن القصاص هو جزء من الحل السياسي، مادياً ومعنوياً.

 إن الحل السياسي، من حيث هو وقف للدماء وللعنف على الأرض، من شأنه أن يصرف الكثير من ممتهني العمل السياسي، الذين يعتاشون على الصراعات والثنائيات الوهمية والاصطفافات العابرة، ويُحل محلهم الممثلين الحقيقيين للشعب..