الأزمة السورية وفوبيا الإسلام السياسي!!

الأزمة السورية وفوبيا الإسلام السياسي!!

درج الإعلام الرسمي وجزء هام من الخطاب السياسي الرسمي على تكرار عبارات ومفاهيم واصطلاحات من قبيل: الإسلام السياسي، الإخوان المسلمين، التكفيريين، الجهاديين، السلفيين، دعاة الخلافة، قاطعي الرؤوس، (العراعير)، في أماكنها المناسبة بعض الأحيان وفي غير مكانها في كثير من الأحيان، وتحولت هذه المفاهيم والاصطلاحات مع الوقت إلى أدوات أساسية في بناء المنظومة الفكرية التي يتم الانطلاق منها لرؤية الواقع ومن ثم للتعامل معه، ولكن ما ينبغي التفكير به جدياً هو: هل للإسلام السياسي هذا الحجم من التأثير حقيقة؟، وإن كان الأمر كذلك فهل الخطاب الذي يقدمه النظام نافع في تطويق الإسلام السياسي؟ أم أنه يعزز دوره ويدفعه قدماً؟

في دور الإسلام السياسي:

لا شك أن لجماعة الإخوان المسلمين دوراً قذراً تمارسه بصفتها (معارضة سياسية محمولة على أجنحة التدخل الخارجي العسكري)، إضافة إلى دعواتها الحثيثة إلى تفكيك بنية المجتمع السوري بالقول الصريح أحياناً والموارب أحياناً أخرى، لكن هل يؤدي هذا الكلام مباشرة إلى أن المتظاهرين الذين قالوا: (الله أكبر) يحملون المشروع السياسي للإخوان المسلمين بالضرورة؟، وقبل الإجابة على هذا السؤال بنعم أو لا أو ما بينهما، ومن باب الصراع السياسي بجانبه الجاري، فإن الإجابة بنعم تعني التنازل عن جماهير واسعة مجاناً لمصلحة الإخوان المسلمين ومن لف لفهم ولمصلحة مشروعهم، وتعني تقديم دعاية مجانية للإخوان حول ضخامة تواجدهم وتأثيرهم، وتعني فوق ذلك، وهو الأخطر، أن جزءاً مهماً من الشعب السوري موافق على حرب أهلية طائفية وهو ما عجز الإخوان عن فعله طوال فترة عملهم..

إن الربط الشكلي بين (الله أكبر) ومشروع الإسلام السياسي هو أهم عملية (تضليل) –الكلمة الفضلى لدى الإعلام الرسمي- قام بممارستها الإعلام الرسمي نفسه على جماهير الشعب السوري، ولعل من عمل على هذا الربط اعتقد في مرحلة من المراحل أن الناس ستتراجع عن تأييد الحركة الشعبية إذا ما تم تركيز النيران بهذا الاتجاه، ولكن المشكلة أن الناس تعيش الواقع كاملاً، وتعيش ضمنه مشاهد من قبيل رؤية بعض الأشخاص ممن يدعون أنفسهم جيشاً حراً سكارى في رمضان!! وتعرف الناس منهم من ضلل بمعنى الكلمة واعتقد أنه يقوم بعمل نبيل، وتعرف أيضاً من انتقل ببساطة من (سوكة) الحارة التي كان يمارس عليها تبطله و(زعرنته) إلى الجهاد!

إن فهم السياسة وصراعاتها على أساس الأقنعة التي يلبسها المتصارعون يؤدي نتيجة لا تختلف عن تسليم عطار عملية قلب مفتوح!، في حين أن الصراع أبسط من ذلك بكثير في حقيقته، واكتشاف الحقائق البسيطة والأساسية هو الأكثر صعوبة في العادة.. ويتلخص الصراع بمقولة الـ %90، أغلبية منهوبة وموزعة بين موال ومعارض وبين الدين والطائفة والمذهب والطريقة والقومية والإثنية الأولى حتى الأولى بعد المئة!، وفي المقابل أقلية ناهبة موزعة تحت العناوين السابقة نفسها، الفرق الوحيد أن هذه الأقلية تعرف وتعي وتدرك تماماً ما الذي تريده وكيف تحصل عليه وبأي الأدوات، والأكثرية المنهوبة ما تزال تتخبط دون مسار وتمثيل واضح.. ليس مهماً ما يقوله الإسلام السياسي عن نفسه، المهم هو من يمثل فعلياً.. وهو إذ يطرح الليبرالية الاقتصادية مثله مثل أعدائه الإفتراضيين العلمانيين، فإنما يمثل معهم الناهبين..

فوبيا (الإرهاب الإسلامي) هي تصنيع أمريكي بادئ ذي بدء كما هي الأسلمة الراهنة ذاتها، وإن كنا نريد في الجوهر أن نقاوم المشروع الأمريكي في المنطقة وندفع أرواحنا في التصدي له، فليس أقل من مقاومته على مستوى المفاهيم التي يزرعها ليمضي مشروعه قدماً، فهل نعيد صياغة الواقع وفق ما تشتهي لنا أمريكا أن نفهمه؟